قررت اللجنة الفنية لمجلس الأمن والدفاع في السودان، إفراغ الخرطوم والمدن الرئيسة من الوجود المسلح لبعض الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر الماضي، الذي أثار انتقادات واسعة، وسط مخاوف من التعقيدات التي يمكن أن تصاحب تطبيق القرار.
ونص القرار على إيقاف التجنيد والاستيعاب السياسي الذي تقوم به الحركات بمناطق السودان المختلفة، إلى حين اكتمال تنفيذ بند الترتيبات الأمنية المضمن في الاتفاق الذي يتوقع أن يسهم في وضع نهاية لحرب أهلية استمرت نحو 3 عقود في دارفور وجنوب كردفان، وراح ضحيتها مئات الآلاف فضلا عن ملايين النازحين.
وتشير تقارير إلى أن بعض الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام تقوم بعمليات تحشيد وبيع واسعة للرتب العسكرية من أجل تقوية مراكزها، وفي مؤشر على خطورة الظاهرة، طالب عضو مجلس السيادة السوداني رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس بضرورة القبض على كل من يدعي ويبيع الرتب العسكرية باسم حركات الكفاح المسلح، مضيفا أن هذا السلوك "يعتبر نشاطا مضادا للثورة يجب عدم المجاملة معه أو السماح به".
مخاوف وتبريرات
وانتقد مراقبون خطوة وجود قوات تابعة للحركات المسلحة في مناطق مدنية في الخرطوم ومدن أخرى، واعتبروها إحدى ثغرات اتفاق الترتيبات الأمنية، باعتبار أنه لم يرسم خارطة طريق واضحة بشأن آليات الدمج والتسريح وعدم تحديد مواقع بعينها لتمركز القوات الجديدة، مما يفتح الباب أمام وجود عدد من الميليشيات في قلب الخرطوم والمدن الأخرى، ويعقّد بالتالي الأوضاع الأمنية التي تشهد هشاشة واضحة.
لكن رئيس المعهد الإفريقى الدولي للسلام في بروكسل القيادي بالجبهة الثورية الهادي عجب الدور، يؤكد أن الوجود العسكري للحركات المسلحة داخل العاصمة كان ضمن إجراءات متفق عليها وفقا لاتفاقية جوبا للسلام وبأعداد محددة.
ويوضح عجب الدور لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن العدد المتفق عليه هو بمعدل 66 مجندا لكل حركة، بالمسارات التي لديها ترتيبات أمنية، وذلك لأغراض الحراسة والتدريب والاستعداد لمرحلة الترتيبات الأمنية، وأضاف أن مجموع عدد القوات المسموح لها بالتواجد في مسار دارفور 320 مجندا.
حاجة لبناء الثقة
وتزايدت المخاوف أكثر بعد وصول مجموعات من القوات التي تتتبع لأكثر من فصيل، وسط توقعات بأن تسعى كافة الحركات الموقعة للعمل على وجود جزء من قواتها في الخرطوم، غير أن البعض يرى أن الأمر "روتيني" في المراحل التي تعقب توقيع اتفاقيات السلام.
وفي هذا السياق يقول عجب الدور إن "بناء السودان الجديد يحتاج إلى توفير الإرادة والثقة بين كافة الأطراف، وتنفيذ اتفاقية السلام بكافة بنودها ومتطلباتها".
ويشدد على ضرورة العمل على إنهاء كافة الهواجس والمخاوف، وذلك عبر تشكيل جيش قومي موحد يلتزم بعقيدة قتالية مهنية يكون الولاء فيها للوطن فقط من دون نزعة أيديولوجية أو جهوية أو قبلية، و"من ثم التفرغ لمرحلة البناء والتنمية التي لا يحتاجها إنسان دارفور فقط، بل كل مناطق السودان التي عانت كثيرا خلال الفترة الماضية".
ضبط الأمن
ويشير الخبير الإستراتيجي الأمني إسماعيل مجذوب إلى أهمية القرار في ضبط الأمن في المدن وخاصة الخرطوم، وبسط هيبة الدولة وإظهار الجدية من جانب الحكومة في إنزال اتفاق السلام على الأرض، خاصة بروتوكول الترتيبات الأمنية.
ويقول مجذوب لموقع "سكاي نيوز عربية" إن القرار سيسهم في حال تطبيقه في ردع الانفلاتات ووقف عمليات التجنيد العشوائي التي تقوم بها بعض الحركات المسلحة، كما ينبه إلى أن "عمليات التحشيد والتجنيد قد تؤدي إلى المزيد من الانشقاقات الجديدة في الحركات، لذلك سيساعد القرار على تفادي الانشطارات التي تؤخر عملية الدمج".
لكن مجذوب حذر من الخطأ المبدئي المتمثل في السماح بتواجد قوات للحركات المسلحة في مناطق حصرية قبل بدء عملية الترتيبات الأمنية، وتوقع أن يواجه القرار بعض الصعوبات "حيث إن هناك احتمالا كبيرا أن ترفض بعض الحركات المسلحة الاستجابة له قبل توفير الأموال اللازمة ومعسكرات التجميع".
ومن جانب آخر، اعتبر الكاتب الصحفي حيدر المكاشفي أن الخطوة جاءت متأخرة جدا، حيث إن وجود قوات مسلحة تابعة للحركات الموقعة على اتفاق جوبا داخل مناطق مدنية في الخرطوم كان محل جدل كبير طوال الأسابيع الماضية.
ويقول المكاشفي لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "الطبيعي هو أن تكون هناك مناطق تجميع خارج المدن منعا لأي انفلاتات أو تداعيات تسبق عملية الترتيبات الأمنية، التي تحتاج إلى المزيد من الوقت والإمكانيات والأطر اللوجستية والقانونية، حتى يتم تنفيذها بشكل دقيق".
ويعتقد أن عمليات التجنيد وبيع الرتب التي تقوم بها بعض الحركات تمثل "ثغرة كبيرة في اتفاق جوبا، وخصوصا في جانب الترتيبات الأمنية الذي كان يجب أن يحصر أوضاع الحركات وقوتها الحالية منعا لأي تجاوزات".
خطا إستراتيجي
ورغم أن الكثير من المراقبين ينظرون بتفاؤل إلى قرار إفراغ الخرطوم من الوجود المسلح للحركات الموقعة على اتفاق السلام، فإنهم يبدون مخاوف من أن تلازمه بعض التعقيدات، وهو أمر كان يمكن تفاديه لولا النواقص التي لازمت اتفاق الترتيبات الأمنية.
وفي هذا الإطار يقول الخبير الإستراتيجي أمين مجذوب أن "اتفاق الترتيبات الأمنية تشوبه بعض النقائص، الأمر الذي ظهر من خلال وصول تلك القوات إلى الخرطوم قبل تحديد أماكن التجميع، مما يعتبر خطأ إستراتيجيا وأمنيا كبيرا، لأن مثل هذه القوات أتت من مناطق الصراع وهي غير مدربه على البقاء في المدن، وبالتالي فمن الممكن أن تحدث بعض الانفلاتات".
ويضيف لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "قوات الحركات المسلحة التي دخلت العاصمة خلال الأيام الماضية مزودة بعدد كبير من العربات العسكرية رباعيه الدفع، ومسلحه بأسلحة متوسطة وثقيلة، مما يهدد بخسائر كبيرة في حال وقوع أي حادث أمني".
وينبه مجذوب إلى حساسية المرحلة الانتقالية والضبابية التي تشوب مواقف قادة بعض الحركات المسلحة، وبالتالي "كان من الضروري وضع ترتيبات واضحة ومبنية على أسس مهنية من خلال تجميع تلك القوات في مناطق خلوية، وتجريدها من الأسلحة قبل البدء في إجراءات الدمج والتسريح، وفقا للشروط والقواعد العسكرية المتعارف عليها".
ويشير الخبير الإستراتيجي إلى ضرورة إجراء معالجات شاملة لكافة القوات المسلحة، بما فيها قوات الدعم السريع التي يرى بعض قادة الحركات أن بقاءها في الخرطوم يشكل مبررا لبقاء قواتهم أيضا.