وأنت تتجول بالقرب من صومعة حسان السامقة بالعاصمة المغربية الرباط، وعيونك ترمق الضفة الأخرى من نهر أبي رقراق، حيث تصطف أرقى الفنادق والمقاهي العصرية، واليخوت مركونة أمامها، فيخاطب أذنك جرس الترامواي الرابط بين المدينتين التاريخيتين، سلا والرباط..
تبعث فيك رهبة المنظر رغبة في استرجاع أنفاسك والاستمتاع بهذه اللحظة، فتباغثك رائحة قوية، تزكم الأنوف، لا مكان لها في هذا المشهد الخلاب.
هذا الوضع، تصدّر العناوين الكبرى للصحف المغربية، خلال الأيام الماضية، ورافقه زخم كبير في الإعلام والصفحات الاجتماعية.
وتعاني الأحياء المجاورة لوادي أبي رقراق من تداعيات مشكل مصدره أحد أحواض عصارة الأزبال (lixiviat) بالمطرح الذي انهارت جنباته وتسرب إلى واد "عكراش"، الذي يصب بدوره في واد أبي رقراق، فاختلطت المياه النظيفة بالمياه العادمة من منطلق الوادي، وفق توضيحات نشرها عبد اللطيف سودو، نائب رئيس جماعة سلا.
وتقض الروائح الكريهة مضجع سكان الأحياء المجاورة للوادي، مما يضطرهم إلى إغلاق النوافذ بإحكام تفاديا للأسوأ، لكن هذا الأمر لا يفي بالغرض أمام قوة الرائحة ولا يوقف زحف الباعوض الذي يخترق بعض المنازل ويَكْلم ساكنتها.
وتشتد الرائحة الكريهة في الفترة الليلية، خصوصا بعد توقف كافة الأنشطة الاقتصادية والسيارات على الساعة التاسعة مساء.
وحذر ناشطون من تفاقم الوضع بالنهر، في ظل تلكؤ السلطات عن إيجاد حل جذري للمشكل.
ولاحظ عبد المجيد الصحراوي، منسق التربية البيئية بمنظمة بدائل للطفولة والشباب، أن حضور اللون الأسود في المياه أصبح لافتا، وهو ما يعني أن نسبة التلوث مرتفعة.
وطالب الصحراوي بحلول مستدامة، لإيقاف هذه الكارثة البيئية، والابتعاد عن الحلول الترقيعية التي يلجأ إليها المسؤولون كلما طرح عاد هذا المشكل إلى الواجهة.
وقالت فاطمة السكاك، ناشطة في إحدى الجمعيات المدافعة عن البيئة، إن تلوث نهر أبي رقراق، سيضر بالمنطقة المحيطة به، مطالبة بدورها بوضع حد لهذا الوضع الذي أصبح ينذر بالخطر.
ومن جهتهم، دق مستشارو فيدرالية اليسار الديمقراطي بمجلس مدينة الرباط ناقوس الخطر بسبب تلوث رصدوه على مستوى وادي أبي رقراق، الفاصل بين مدينتي الرباط وسلا.
وذكر المستشارون، في بلاغ صحفي اطلعت عليه "سكاي نيوز عربية"، أن موجة التلوث الكبيرة تدفقت على الوادي ونتج عنها انبعاث رائحة كريهة وتغير في لون مياه الوادي.
ورجح مستشارو فيدرالية اليسار الديمقراطي بمجلس العاصمة الإدارية للمملكة أن يكون ذلك راجعا إلى عصارة "الليكسيفيا" لمطرح "أم عزة"، البعيد بحوالي 30 كيلومترا شرق العاصمة.
حجم ضخم
فالتلوث العضوي الذي تتسبب فيه عصارة الأزبال، يعادل عشرات المرات تلوث النفايات المنزلية. ونجد ضمنها النترات والزئبق والرصاص ومواد معدنية أخرى وهو ما أدى إلى نفوق الأسماك والإخلال بالأنظمة الإيكولوجية.
وقال عمر الحياني، عضو مجلس الرباط عن فيدرالية اليسار، في حديث لـ"سكاي نيوز عربية": "مشكل عصارة الأزبال بأم عزة، ليس جديدا، بل هو متكرر ويدوم منذ سنوات. وهناك تقاعس في إيجاد حل لهذا الموضوع".
وذكر أن الفيدرالية نبهت المسؤولين، منذ 2019، إلى خطورة إشكالية الأزبال بمطرح أم عزة، مطالبةً بمعالجة هذا الإشكال عن طريق الاستثمار في وسائل حديثة للمعالجة، دون اللجوء إلى الحلول السهلة ورمي هذه المخلفات في مياه البحر، والتسبب في كارثة بيئية".
وحمل الحياني المسؤولية لمؤسسة تعاون جماعات العاصمة التي يشرف عليها مسؤولون معظمهم من حزب العدالة والتنمية.
عمر الحياني كان أيضا عبر عن امتعاضه من طريقة تدبير هذا الملف، وكتب في تدوينة سابقة له: "قرأت اليوم تدوينة لأحد منتخبي العدالة والتنمية في تجمع العاصمة، يتبرأ فيها من المسؤولية. أود فقط أن أُذكره أن أي تدبير مفوض لمرفق عمومي يكون تحت مسؤولية من فوضه، و لا أحد غيره".
وتأسف الحياني عن صرف "ملايير الدراهم في مشاريع -الزواق- (البهرجة) في الرباط، وأن يتم نسيان الأهم: التقشف في الحفاظ على بيئتنا وسلامة المياه السطحية والجوفية التي نشربها".
من جانبها، وجهت ابتسام عزاوي، البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة، سؤالا كتابيا إلى وزير الطاقة والمعادن والبيئة عزيز الرباح، قالت فيه إن مصدر التلوث قد يكون مطرح أم عزة، الذي تسربت منه عصارة الأزبال المخزنة به منذ سنوات.
وقالت عزاوي في سؤالها الموجه للوزير الرباح: "لوحظ بروز موجة تلوث كبيرة تدفقت على وادي أبو رقراق الفاصل بين مدينتي الرباط وسلا والذي نتج عنه انبعاث رائحة جد كريهة وتغيرا في لون مياه الوادي".
وأضافت عزاوي، أن مصدر التلوث يرجح أن يكون مطرح أم عزة، الذي تسربت منه عصارة الأزبال التي كانت مخزنة به منذ سنوات، متسائلة عن الإجراءات الاستعجالية المتخذة لمعالجة هذا المشكل البيئي.
محطات معالجة
وقال ناشطون، بعين المكان لـ"سكاي نيوز عربية" إن معالجة هذا المشكل البيئي تكمن في إحداث محطات للمعالجة، مثل التي تم بناؤها بعين عودة لتصفية المياه وإعادة استعمالها "لأن هذا المشكل يعرفه أيضا مطرح مديونة وباقي المطارح الكبرى، وبصرف النظر عن آثارها السلبية على النهر فهي تحدث أضرارا بالفرشة المائية وبالآبار التي يتزود منها السكان".
وعبرت من جانبها "الشبكة البيئية رقراق" التي دعت سابقا إلى إيجاد "حلول عاجلة" لمشكل قدف المياه العادمة غير المعالجة، عن ارتياحها حيال التجاوب مع ندائها من طرف نواب في البرلمان ومسؤولين محليين ومركزيين، لاسيما كتابة الدولة المكلفة بالماء وجهة الرباط سلا القنيطرة والمديرية الجهوية التابعة للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج ووكالة الحوض المائي لأبي رقراق والشاوية، وذلك قصد العمل على إيجاد الحلول الناجعة لهذا المشكل البيئي.