جاءت توجيهات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن سرعة إصدار تشريع قانوني خاص، يتم يموجبه منع الزواج المبكر للأطفال، وينص على السن القانوني للزواج، ليوضح بجلاء حجم المشكلة، ودرجة خطورتها على مصر.
وفتح توجيه السيسي الباب لمناقشة ملف زواج القاصرات، ومدى تأثيره على المجتمع والاقتصاد.
ويقول عمرو حسن مقرر المجلس القومي السابق للسكان، أستاذ مساعد النساء والتوليد والعقم بقصر العيني إنّ "زواج الأطفال أحد أهم أسباب الزيادة السكانية في مصر، وهناك العديد من المشكلات التي تواجه الأطفال ترتبط ارتباطا وثيقا بالزيادة السكانية وهي عمالة الأطفال، والتسرب من التعليم وزواج الأطفال".
وتابع حسن في حديثه مع موقع سكاي نيوز عربية أنّ "العوامل الثلاثة كل منها متشابك مع الآخر وكل منها سبب وكل منها نتيجة للآخر، فالتسرب من التعليم يؤدي إلى عمالة الأطفال والزواج المبكر، والزواج المبكر تكون نتيجته التسرب من التعليم، فالطفل الذي لا يكمل تعليمه يتجه إما إلى العمل أو الزواج، وأيضا الطفل الذي يعمل ويحصل على المال في سن صغيرة لا يدرك أهمية التعليم لأنه يحصل على المال من دونه، فيؤدى ذلك إلى هجره صفوف الدراسة".
117 ألف طفل
ووفقا لما أعلن عنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في آخر مسح ديموغرافي صحي في مصر، فإن 117 ألف طفل في الفئة العمرية من 10 إلى 17 عاما متزوجون أو سبق لهم الزواج، وأن محافظات الصعيد (جنوبي البلاد) هي الأعلى من حيث معدلات الزواج والطلاق، بينما سجلت محافظات مصر الحدودية "البحر الأحمر وسيناء ومرسى مطروح وأسوان" أقل نسبة في زواج الأطفال.
ويؤكد مقرر المجلس القومي للسكان السابق أنّ "الزواج المبكر خصوصا للفتيات يدفعهن إلى هجر التعليم بسبب أعباء الأسرة. وبعد الزواج يبدأ إنجاب الأطفال في سن مبكرة ومن ثم زيادة معدلات الإنجاب، ومع زيادة معدلات الإنجاب ترتفع الزيادة السكانية، فـ الزواج المبكر من الظواهر التي تعوق التنمية، لأنه يزيد من أعباء الفقر، والضغوط المجتمعية، وفي الغالب يفشل الاستقرار الأسري، وتتحمل الأم المسؤولية".
وأوضح أستاذ مساعد النساء والتوليد والعقم بالقصر العيني، أنّه "للأسف ما زال هناك قطاع من الشعب المصري يحمل من الموروثات الثقافية الخاطئة ما يجعله يقبل على الزواج المبكر، ولا يرى في التعليم وخصوصًا تعليم الفتيات جدوى تذكر، ويرى أن عمل الطفل نوع من القوة والرجولة".
وعن مواجهة تلك الأزمة يشير حسن في حديثه لسكاي نيوز عربية إلى أنّها "تعتمد في المقام الأول على تغيير البيئة الثقافية وزيادة الوعي لدى بعض الفئات في المجتمع، التي تتعامل مع هذه المشكلات باعتبارها جزءًا من عاداتها وتقاليدها، فلابد من توعية الأسر بضرورة تعليم الفتيات ومنع تسرب الأبناء من التعليم لغرض الزواج أو العمل في سن مبكرة، وأيضًا تفعيل العقوبات التي أقرها البرلمان المصري في هذا الشأن أصبح ضرورة ملحة، وضرورة سن قانون لمحاربة زواج الأطفال، بجانب تحسين وضع المدارس وتقديم خدمة تعليمية جيدة".
ووفقا لتقرير نشره البنك الدولي والمركز الدولي لبحوث المرأة، فإن البلدان النامية ستخسر بسبب زواج الأطفال تريليونات الدولارات بحلول عام 2030، ومع منع زواج القاصرات تكون هناك آثار إيجابية كبيرة خاصة بالتحصيل العلمي للفتيات وأطفالهن في المستقبل، وسيسهم الأمر في إنجاب المرأة عدد أقل من الأطفال، وهو ما سيزيد من دخلها المتوقع ومستوى رفاهية الأسرة.
وقال الرئيس السيسي في خطابه أثناء احتفالية يوم المرة المصرية وتكريم الأمهات المثاليات، إنّه كلف جهاز المشروعات الصغيرة بالتعاون مع الأجهزة المعنية لتنفيذ برامج لمساندة المرأة الريفية وبرامج تثقيف مالي، وكلف الوزارات المعنية للعمل على الحد من ظاهرة الغارمات، بجانب تكليف وزارة التخطيط والمجلس القومي للمرأة بمتابعة وضع المرأة في مجال صنع القرار.
رواسب ثقافية عمرها مئات السنين
ومن الناحية الاجتماعية يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة طنطا سيد بدران إنّ "الزواج المبكر للأطفال كارثة كبرى، فكيف لطفلين لم تكتمل لديهما المدركات النفسية ولم تصل للقدر الكافي أن يبنيان حياة طبيعية سوية، يشاركهم فيها أطفال آخرون يأتون إلى الحياة لا حول لهم ولا قوة، فما يحدث في تلك الفترة ظلم للجميع، لمن تم تزويجهم، وللأطفال الرضع الذين يحتاجون للعناية.
وتابع "بدران" في حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية" أنّ "الميراث الاجتماعي الضحل وغير المبرّر هو السبب في تلك الكارثة، فكثير من الأهل في الصعيد والقرى، وأحيانا في القاهرة، يعتقدون بمسألة "ستر بناتهم" في سن مبكرة حتى ولو كان ذلك عن طريق جريمة الزواج المبكر، وما يحدث هو استمرار لرواسب ثقافية تحتاج إلى تغيير".
وأكد "أستاذ علم الاجتماع" أنّه "لابد أن يكون هناك وعيً حقيقيً بخطورة هذه المشكلة التي تتطلب فهمًا وإدراكًا لمفهوم الزواج على العديد من الأصعدة، من بينها الصعيد الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسلوكي، وهو ما يؤثر بدوره على مستقبل أطفالنا والأجيال المقبلة".
نسبة زواج القاصرات سنويا
وبحسب تأكيد نقيب المأذونين إسلام عامر فإن نسبة زواج القاصرات في مصر تبلغ 5 بالمئة سنويًا، وهناك أزواج كثيرون يرفضون بعد سنوات توثيق العقد بجانب رفضهم إصدار شهادة ميلاد لأبنائهم.
ويقول صبري عثمان مدير "خط نجدة الطفل" بالمجلس القومي للطفولة والأمومة، إن زواج القاصرات يترتب عليه صعوبة في تسجيل المواليد نتيجة عدم توثيق عقود الزواج، منوهًا أنّ وزارة العدل تقدمت بمسودة قانون يمنع زواج القاصرات في عام 2018 تتكون من 6 مواد، الأولى منها تقرر الحبس لمدة سنة لكل من زوّج، أو شارك في زواج طفل أو طفلة لم يصل إلى عمر الـ18.
وتابع "عثمان" أنّ المادة الثانية من مسودة القانون ألزمت المأذون بأن يقدّم للنيابة العامة أي إخطار للتصدق على عقود الزواج العرفي، بينما أوجبت المادة الثالثة عقوبة الحبس سنة لمن يحرر عقد زواج عرفي دون إخطار النيابة العامة، مشيرًا إلى أنّ الأعداد التي يتلقاها الخط حول الزواج المبكر للأطفال لا تعبر عن الأعداد الحقيقية في المجتمع، خاصة وأنّ بعض الحالات تتم سرًا في المناطق الريفية.
200 ألف مولود كل عام
وكان نائب وزير الصحة لشؤون السكان الدكتور طارق توفيق قد أكد أن مصر تستقبل 200 ألف مولود كل عام نتيجة زواج القاصرات، وهو ما يمثل ظاهرة لها مشكلات صحية واقتصادية واجتماعية لا حصر لها، مشيرًا إلى أنّ زواج القاصرات يعد نوعًا من أنواع العنف غير المبرر.
وتابع "توفيق" أنّ "الأهم في البداية هو نبذ المجتمع لهذه الظاهرة المؤذية والتي لا معنى لها صحًيا واجتماعيًا، فالتحرك الأهم لابد أن يكون من المجتمع ومعه التحرك التشريعي".