تكشف التحركات السودانية الأخيرة سعي الخرطوم إلى التعاون مع العمق العربي بشكل خاص، لا سيما مع مصر والسعودية، وهو الأمر لا يخدم مصالح آخرين وخاصة تركيا.
وكانت أنقرة وجدت الفرصة سانحة إبان حكم نظام الرئيس السابق عمر البشير، للتوغل في السودان ومن خلفه قارة إفريقيا.
لكن انهيار النظام قطع الطريق أمام أنقرة، التي باتت متهمة في السودان بـ"دعم الثورة المضادة" وإيواء عناصر "إرهابية".
ويقول مراقبون إن ثمة ملفات عديدة تنتظر الحسم ترتبط بالعلاقة بين البلدين، وبشكل خاص اتفاقية جزيرة "سواكن" التي وقعتها تركيا في العام 2019 مع نظام البشير، وحصلت أنقرة بموجبها على الحق في إعادة تأهيل الجزيرة في البحر الأحمر، بما يتيح لها حضورا استراتيجيا في تلك المنطقة المهمة.
رسائل المراجعة
وبحسب ما نقلته تقارير إعلامية عن المتحدث باسم مجلس السيادة السوداني، محمد الفكي سليمان، فإن بلاده، وفي إطار استراتيجية جديدة بعد عودتها للمجتمع الدولي، تعمل على وضع استراتيجية جديدة حول منطقة البحر الأحمر، سوف يتم مناقشتها قريبا.
يأتي هذا في الوقت الذي نقلت فيه تقارير إعلامية أخرى عن مسؤولين سودانيين اثنين، وهما عضو مجلس شركاء الحكم جمال إدريس الكنين، وعضو مجلس السيادة محمد الفكي، تأكيداتهما على أن "أي اتفاق يمس السيادة الوطنية سوف يتم إنهائه من جانب السلطة الانتقالية الحالية بالبلاد".
وتعكس هذه التصريحات التوجه السوداني الرامي إلى التخلي عن اتفاقية "سواكن".
إلغاء الاتفاقية قريبا
يعتقد المحلل السوداني كمال كرار، بأن مسألة مراجعة الاتفاقية باتت قاب قوسين أو أدنى بعد تلميح السودان إلى ذلك الأمر، على اعتبار أن "هذا الملف يواجه ضغطاً شعبياً، وربما كانت هنالك دول خارجية أيضاً تدفع الحكومة السودانية في هذا الاتجاه".
وأوضح في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "مراجعة الاتفاق حول جزيرة سواكن والهيمنة التركية عليها إبان النظام السابق تأخرت كثيراً، وكان من المأمول أن تلغى الاتفاقية منذ أن سقط نظام عمر البشير، باعتبارها نوع من الاستعمار الأجنبي لأرضٍ سودانية".
وأشار المحلل السوداني إلى أن "تركيا أرادت موطئ قدم لها في المنطقة؛ لتهديد الدول المجاورة، وتخطط لإنشاء قاعدة عسكرية عليها".
وأوضح أن "سواكن نفسها جزيرة أثرية لا يمكن أن تعطى لدولة أجنبية تريد أن تسترجع نفوذ العثمانيين في المنطقة". واختتم تصريحاته قائلاً: "من المهم أن تلغى الاتفاقية لأن وجودها إلى الآن يستفز سكان شرق السودان، ولابد أن ينأي السودان بنفسه من سياسة المحاور".
وكان وزير الدولة السعودي لشؤون الدول الإفريقية، أحمد بن عبد العزيز قطان، قد أكد قبل أيام في تصريحات إعلامية، على أنه "ليس لديه شك" في تعطيل اتفاقية "سواكن" بعد ما شهده السودان من تغيير.
ولفت قطان إلى أن تركيا تحاول أن تجد موطئ قدم في البحر الأحمر.
أطماع تركية
ويقول المحلل السياسي السوداني، الهادي محمد، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الاتفاقية"تأتي ضمن المخطط التوسعي للأطماع التركية وسط بلدان القارة الأفريقية.
ويشير الهادي إلى أن "هذا التوسع الهدف منه الهيمنة والسيطرة على الموانئ البحرية من خلال بناء خط بحري يبدأ من تركيا مروراً بموانئ السودان وإريتريا والصومال وجيبوتي، هذا فضلاً عن وجود تركيا في غرب القارة، خاصة في غينيا وساحل العاج وبوركينا فاسو".
وينظر المحلل السياسي السوداني إلى الوجود التركي في ساحل البحر الأحمر على أنه "وجود قديم وله امتدادات تاريخية"، لكن بعد تولي رجب طيب أوردغان السلطة في تركيا تجددت أطماع أنقرة على نحوٍ جعل الصومال أهم محطة لتركيا من خلال سيطرة أنقرة على الموانئ وكذلك مطار مقديشو وخطتها لبناء الجيش الصومالي وتسليحه.
وأضاف الهاي إلى أنه كان من المتوقع أن تكتمل تلك الخطة التوسعية بعد التنسيق مع نظام البشير، أن تمد جسور مالتواصل مع إثيوبيا ليكون الوجود التركي ممتدداً من السودان مروراً بإثيوبيا.
حاولت تركيا استعادة أمجادها القديمة بالاتجاه نحو مينائي بورتسودان وسواكن، وتم التوقيع على اتفاقية كاملة لإحياء مدينة سواكن التاريخية، وبالفعل بدأ التنفيذ العملي للخطة، بيد أن الثورة الشعبية قطعت الطريق أمام التمدد التركي، لذلك تجمدت الخطة، وفقا للمحلل السياسي السوداني.
تحولات داخلية
التحولات أو التغيرات الداخلية بالسودان وكذلك على المستوى الإقليمي، بالتزامن مع التقارب السوداني المصري كبح التوسع التركي مع الانفتاح السوداني نحو الخليج العربي والسعودية ومصر.
ويمكن ملاحظة ذلك من خلال جولات عبد الله حمدوك وزيارته بصورة متتابعة للسعودية ومصر فكانت مخرجات هذه الزيارات عبارة عن نعي لاتفاقية سواكن وتحرير شهادة وفاة لها.