اتسعت ظاهرة سماسرة العقارات في مدينة تدمر الأثرية والبلدات المحاذية لها في ريف مدينة حمص، وسط سوريا، وازداد عددهم على نحو غير مسبوق.
ومرد هذا الارتفاع ليس طبيعيا، بل بسبب خشية سكان المدينة من بطش الميليشيات الإيرانية التي تسيطر على المنطقة.
وتخيّر هذه الميليشيات المدنيين بين التجنيد في صفوفها أو بيع منازلهم بأسعار زهيدة.
وبحثا عن حياة آمنة يفر المدنيون باتجاه مدن الرقة والحسكة والقامشلي ومنبج وحلب بعد تجاوزات الميليشيات وحرصها المستمر نشر الذعر بين السكان .
وكشفت مصادر محلية من داخل المدينة، التي بلغ تعدادها قبل الحرب 30 ألف نسمة فر منهم 28 ألفا، لموقع "سكاي نيوز عربية" أن ضباط من الميليشيات الإيرانية صادروا المنازل الفاخرة في تدمر وسكنوها مع عائلاتهم، كما استولوا على المحال التجارية والأراضي التي يملكها سكانها الأصليون.
وذكرت المصادر أن الأهالي يضطرون لبيع منازلهم الفاخرة تحت قوة السلاح بمبلغ 2000 دولار، وحتى الأبنية ذات الطابقين والثلاثة طوابق تباع بأسعار زهيدة لا تتجاوز 3000 دولار، وغالبا لا يقبض الباعة لأملاكهم ثمنها حين تخيرهم ميليشيات الحرس الثوري وما يتبعونهم من لواء الفاطميون وزينبيون بين التنازل عما يملكون أو الالتحاق بصفوفهم.
وعزى هيثم المليح، وهو تدمري هرب مع عائلته قبل ثلاثة شهور إلى مدينة الرقة أسباب بيع الشقق السكنية بأسعار زهيدة للتجاوزات التي تنتهكها الميليشيات من خطف وقتل ونهب وسرقة دون رادع.
وأضاف في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" استيلاء مرتزقة إيران على منازل لتحولها لمراكز عسكرية لاسيما بعد استقدامها للجنود والآليات العسكرية من مدينة البوكمال الحدودية مع العراق باتجاه عمق البادية من جهة وللتنقيب عن الآثار وسرقتها كون المدينة هي أثرية، ولازالت كنوزها مدفونة تحت المدينة الحديثة من جهة أخرى.
مدينة أشباح
براء سلوم تاجر أقمشة يتحدر من مدينة تدمر فر مع عائلته وعائلة شقيقه وشقيقته إلى العاصمة دمشق، بعد أن استولت ميليشيات الفاطميون على محاله ومنزله وسيارته منذ ثلاث سنوات.
وأكد في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" أن المدينة بات فارغة من سكانها بنسبة 93 بالمئة وغالبيتهم هاجروا باتجاه مدن الساحل والعاصمة دمشق والرقة والحسكة ومصر وأروبا.
براء سلوم أضاف:"المدنيون كانوا يُخطفون بشكل يومي من قبل ميليشيات حزب الله العراقي ولواء الفاطميون وزينبيون والمئات منهم لا يزال مصيرهم مجهولا لليوم كما أن مئات المدنيين لقوا حتفهم بطرق وحشية وغالباً ما كانت تلك الميليشيات تنسبها لداعش ليحكموا قبضتهم على تدمر وقد حصنوها عسكرياً بذريعة محاربة التنظيم".
ونوه سلوم إلى ملازمة المدنيين لمنازلهم قبل هبوط الظلام، خوفا من عمليات القتل والخطف وهو الوقت الذي كانت تكثف فيه الميليشيات من تحركاتها ليلاً وتعقد اجتماعاتها.
خريطة الميليشيات
ويعتقد مصطفى خليل، الصحفي السوري المتخصص في الشؤون الإيرانية، أن لتدمر وضواحيها أهميتها الاستراتيجية بالنسبة إلى إيران نظراَ لموقعها الجغرافي الذي يربطها بالحدود السورية العراقية، مما يسهل على مرتزقة إيران سرعة تنقلهم واستقدام لوازمهم العسكرية من العراق باتجاه الجنوب السوري وشرقه من الميادين والبوكمال ودير-الزور ومحيط الرقة باتجاه تدمر وريف حمص وحتى القنيطرة على الحدود السورية الاسرائيلية .
ويوضح خليل لموقع "سكاي نيوز عربية خريطة" توزع القواعد العسكرية للميليشيات الإيرانية من الحرس الثوري ولواء باقر وحزب الله العراقي ولواء الفاطميون وزينبيون في محيط مدينة تدمر بين مطار الشعيرات وتدمر وقصر الحير الغربي وحميمة ومطار التيفور والمحطة الثالثة وغيرها.
دروع بشرية
واتهمت شبكة "عين الفرات" الإخبارية مجموعات موالية لإيران من أبناء المنطقة كاللواء أبو الفضل العباس، بتزويد ميليشيات إيران بمعلومات عن اصحاب البيوت المهجرة ومواقع منازلهم واسمائهم لمصادرتها.
وحذرت من الإجراءات التي تتخذها تلك الميليشيات من انتشار مقارها بين البيوت المتبقية فيها سكانها والتحصن بين الأحياء السكنية بغية اتخاذ المدنيين دروعا بشرية ضد الغارات الجوية التي تستهدف قواعدها ومراكزها العسكرية.
تأمين الطرقات
من جانبه، كثف تنظيم داعش الإرهابي من كمائنه ضد الميليشيات الإيرانية في البادية السورية لاسيما طريق السخنة ودير الزور.
وفي الأونة الأخيرة كانت أرتال الميليشيات شرقي حمص في مرمى نيران خلايا داعش التي كبدتها خسائر فادحة وانتشرت خلايا التنظيم في الصحراء السورية الجرداء واستعادت نشاطها.
وعن أسباب ذلك، أشار الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية، أحمد الدويلمي، إلى سطوة خلايا التنظيم على المدنيين وحصولهم من عمليات الخطف وطلب الفدية وفرض الإتاوات على التجار من شراء الأسلحة من سماسرة وتجار وحصولهم على ما يرغبون من كميات وأنواع الأسلحة.
وأضاف الدويليم في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية أن نظيم داعش يتحصن في الخنادق التي حفرها في البوادي السورية ويمجها بمستلزمات العيش، مما وفر لها ضرب الميليشيات عبر عمليات كر وفر، الأمر الذي دفع مسؤولي الميليشيات لتأمين الطرقات لاسيما باتجاه تدمر التي تتلقى فيها ضربات موجعة، بإرسال مزيد من التعزيزات.