دخلت الأزمة السياسية في تونس أسبوعها السابع، بينما تشير كل المعطيات الراهنة إلى استمرار الصراع السياسي في البلاد بين رأسي السلطة التنفيذية الرئيس قيس سعيّد ورئيس الوزراء هشام المشيشي.
وفي يناير الماضي، أقال المشيشي، وزير الداخلية توفيق شرف الدين، المقرب من الرئيس سعيّد، على أن يجري تعديلا وزاريا على حكومته في الشهر ذاته، حيث عيّن بموجبه 12 وزيرا جديد.
وقال إنه يأمل من وراء ذلك في ضخ دماء جديدة في الحكومة، رغم أنه لم يمض على ولايتها سوى أشهر عدة.
وأثار هذا الأمر غضب الرئيس سعيّد، خاصة أنه لم يجر التباحث معه بشأن التعديل الوزاري، معتبرا الأمر انتهاكا للدستور، لكن المراقبين يرون أن جوهر الأزمة هو تنازع في الصلاحيات بين الاثنين.
ويرفض سعيّد حتى الآن التعديل الوزاري، ولذلك امتنع عن استقبال هؤلاء الوزراء، لأداء اليمين الدستورية، بحجة شبهات تضارب المصالح تدور حول الوزراء الجدد، مما يعني تعثر عمل الحكومة عمليا.
ولا تزال الأزمة تراوح مكانها وربما تعمقت أكثر، خاصة بعد تصريح الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، بأن الرئيس التونسي وضع شرطا جديدا للتحاور بشأن الأزمة، وهو استقالة المشيشي، فيما خرج المشيشي في تصريحات إعلامية تؤكد أنه لا ينوي الإستقالة.
حرب على السلطة
ويعتبر المراقبون أن "حرب السلطة التنفيذية" تغذيها حركة النهضة الإخوانية، الداعم الأساسي لحكومة المشيشي داخل البرلمان ومهندس تعديلاتها و برامجها.
ووصف الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي الأزمة، قائلا "هي أزمة سياسية فريدة من نوعها تمر بها البلاد وقد طالت زمنيا وازدادت تعقيدا؛ لأنها اتخذت أبعاد ذاتية وأخلاقية بين رأسي السلطة التنفيذية في حين تقتضي ممارسة السياسة تقديم كل طرف للتنازلات وعقد التوافقات".
وشرح الحناشي في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن سعيّد يعتبر أن رئيس حكومته خان العهد، فيما يستند المشيشي إلى الدعم البرلماني.
وتابع: "بات الأمر أشبه بعملية شد وجذب على حساب استحقاقات الشعب في ظرف تبدو فيه مؤسسات الإقراض الدولية وخاصة صندوق النقد الدولي قد اتخذت موقفا تجاه الأزمة السياسية ووضعت شروطا قاسية مقابل مواصلة دعم تونس ماليا".
واعتبر أنه كان بالإمكان تجاوز الأزمة عندما طرحت منظمة الاتحاد العام التونسي للشغل مبادرة لتنظيم حوار وطني، غير أن رئيس الحكومة اختار الهروب إلى الأمام وأصدر في فبراير الماضي قرارا إعفاء لخمسة وزراء ممن شملهم التعديل الوزاري وكلف آخرين بالنيابة على رأس هذه الوزارات الهامة والحساسة.
ولفت الحناشي إلى أن "تتالي التصريحات والتصريحات المضادة من مختلف الفاعلين وكل يحمّل مسؤولية تعطيل دواليب الدولة للطرف الآخر زاد من احتقان الوضع، فالبلاد تعيش أزمة مركبة إقتصادية وسياسية وصحية ،حتى أن الأمر أثر على دور تونس إقليميا ودوليا الذي يعرف ضمورا غير مسبوق".
وعبر الاتحاد العام التونسي للشغل، المؤسسة النقابية الأكبر في البلاد، في مناسبات عدة عن أسفه مما اعتبره وضعية التندر التي أصبحت فيها تونس بين الدول، بسبب ضعف الحكم فيها.
في المقابل، شدد المشيشي مرارا على أنه لن يستقيل واعتبر أن ربط إنطلاق الحوار الوطني بتقديم استقالته "كلام لا معنى له".
ومن جهته، دعا رئيس البرلمان راشد الغنوشي، وزعيم حركة النهضة الإخوانية، إلى ما أسماه بتماسك السلطة وحذر من الفراغ السياسي.
ورأى أنه على رئيس الدولة قبول أداء الوزراء اليمين الدستورية ومباشرة مهامهم في اصطفاف واضح إلى جانب موقف رئاسة الحكومة رغم أن شبهات الفساد التي تحيط بوزراء التعديل الوزاري.
وتعتبر حركة النهضة حكومة هشام المشيشي وسيلة من أجل تحقيق أهدافها السياسية، وخاصة الحد من صلاحيات الرئيس قيس سعيّد.
مبادرات لحل الأزمة
من جانبه، جدد النائب في البرلمان عن التيار الديمقراطي، رضا الزغمي، دعم كتلته مبادرة إتحاد الشغل ودعوته إلى تنظيم حوار وطني.
وقال الزغمي في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "البلاد تمر بواحدة من أكبر الأزمات السياسية ومردها تنازع الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث وكل منهم اتخذ طريق التصعيد.
وأكد رضا الزغمي أن المشيشي والغنوشي قررا الدفع بالأزمة إلى أقصاها.
وذكّر بأن عددا من نواب المعارضة يجمعون الإمضاءات على عريضة ثانية لسحب الثقة من راشد الغنوشي "باعتباره جزء من المشكل ولا يمكن بأي حال أن يكون جزء من الحل، كما أنه يجدر برئيس الحكومة إعادة الأمانة إلى من سلمه إياها وأن يتراجع خطوة إلى الوراء".
ويؤيد أمين عام حركة الشعب وعضو الكتلة الديمقراطية في البرلمان، زهير المغزاوي، شرط استقالة هشام المشيشي معتبراً أن "الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد بلغت اليوم درجة كبيرة من التعقيد يدفع ثمنها الشعب خصوصا أن الأزمة الصحية طال أمدها مع اقتراب شهر رمضان.
وأضاف "بكل الأحوال لم يعد بإمكان الحكومة مواصلة العمل في ظل القطيعة الكاملة بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية.
وفي محاولة للخروج من الأزمة، أصدر حزب الائتلاف الوطني التونسي ما قال إنها "خريطة طريق" من أجل إنقاذ البلاد، تقوم على إقالة حكومة المشيشي، وتشكيل حكومة تسيير أعمال مُصغّرة تُعهد لها مهمة إنقاذ مالية الدولة والتحضير لانتخابات تشريعية مُبكرة.
وتختلف الرؤى السياسة للخروج من الأزمة التي تتواصل لأسابيع فيما تروج داخل الكواليس السياسية أنه يجري التشاور بخصوص مرشح جديد لخلافة هشام المشيشي على رأس حكومة جديدة تكون هي الحكومة الثالثة في البلاد منذ انتخابات 2019.