أحيت تونس مع سائر دول العالم في الثامن من مارس اليوم العالمي للمرأة في مناخ سياسي متوتر ووضع اجتماعي مفتوح على احتمالات عدة من بينها تواصل الاحتجاجات بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد.
وعبرت منظمات المجتمع المدني الناشطة في المحال النسوي عن تخوفها من تراجع حقوق النساء في السنوات العشر الأخيرة حيث تعتبر هذه المنظمات أن نضالهن النسوي تحول من المطالبة والضغط من أجل مكاسب جديدة إلى الدفاع والنضال من أجل حماية المكتسبات التي تحققت سابقا للنساء التونسيات، كمنع تعدد الزوجات وتجريم العنف ضد النساء، والمحافظة القوانين التي تنظم العلاقات داخل الأسرة.
وقالت الناشطة في المجتمع المدني وأستاذة علم الاجتماع نجاة العرعاري في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن تونس شهدت في الآونة الأخيرة ممارسات خطيرة تستهدف النساء ومن بينها ما تم تسجيله من عنف مؤسساتي تمارسه الدولة على الناشطات في الحراك الاجتماعي والمظاهرات.
وأشارت نجاة إلى أن ردود الفعل تكون أكثر عنفا من الأمن والسلطة التنفيذية إذا ما تعلق الأمر بنضال النساء، حيث تقبع اليوم الناشطة النسوية رانية العمدوني والمناضلة في صفوف الطلاب وردة عتيق في السجن بسبب المشاركة في الاحتجاجات وانتقاد النظام.
وأضافت أن تغيير العقلية تجاه حقوق النساء اليوم لا يحتاج إلى قوانين فقط، فقد بات من الواضح أن تطبيقها مرتبط بإرادة سياسية، كما يتطلب جهودا من الأسرة والمؤسسات التربوية وداخل فضاءات العمل، بهدف تغيير العقلية تجاه حقوق النساء وبلوغ المساواة مع الأجيال القادمة.
وحذرت الناشطة من تهديد مشروع تمكين النساء داخل المجتمع من قبل الفكر الظلامي الذي يحارب المساواة، فالمرأة التي كانت في الصفوف الأولى غير موجودة اليوم في مواقع القرار، كما أن المنظومة التربوية تعيد إنتاج صورة دونية للمرأة بسبب تشويه صورة الحقوق الممنوحة للنساء التي وجب التأكيد على أنها لخدمة الأسرة والمجتمع وليس لخدمة المرأة فقط، كما يروج لذلك أعداء فكر المساواة.
وتابعت نجاة قائلة: "لا أقلل من حجم الإنجازات في مجال حقوق المرأة ولكن تظل هناك الكثير من النقائص بسبب ضعف حملات التحفيز المجتمعية، واستعمال السياسيين لشعارات الدفاع عن النساء في الخطابات السياسية دون استبطان حقيقي لها رغم أن الدستور يكفلها".
أما الباحثة سلمى الجلاصي فاعتبرت أن الهوة العميقة بين التشريع والواقع فيما يتعلق بحقوق النساء سببها نقص النصوص الترتيبية الحافة بالقوانين الكبرى لحماية النساء ما يعطل تنفيذها، كما أن المجتمع يستكين لفكرة اكتمال حقوق النساء في تونس وهو أمر غير صحيح فهناك مخاوف من التراجع في الحقوق خاصة في ظل حكم حركة النهضة.
وبيّنت سلمى أن حكم النهضة "أعادنا لمربع مناقشة مواضيع مثل تعدد الزوجات والزواج العرفي، وجعل المناضلات في الحقل النسوي ينشغلن بالدفاع من أجل الحفاظ على المكاسب بدل التشكل كقوة ضغط لتحقيق مكاسب جديدة".
ومن جانبها اعتبرت رئيسة اتحاد المرأة التونسية، أكبر منظمة نسائية في البلاد، راضية الجربي، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه "من حق النساء في تونس الحلم بالمساوة في الحقوق مثل كل النساء في العالم، لكن مع الأسف تأخرت تونس حتى مقارنة بنفسها قبل عشرة سنوات".
واسترسلت قائلة: "بعد أن كنا القدوة في حقوق النساء عربيا وإفريقيا، لم نبلغ اليوم حتى المرتبة العاشرة على الصعيد الإفريقي. تونس لم تعد تقدم دروسا في حريات النساء، ونحن مطالبون بمراجعة الذات ومواجهة الحقيقة لمعرفة أسباب هذا التراجع ومسؤولية سياسات الدولة ومن حكموا في السنوات الأخيرة عن التراجع في المكاسب الممنوحة للنساء".
وأكدت راضية أن حضور النساء في مواقع القرار أصبح متواضعا بسبب عقلية الساسة فرغم أن القانون الانتخابي ينص على التناصف بين الرجال والنساء فإن البرلمان لا يضم غير عشرين في المئة فقط من النساء، بعد أن كانت النسبة ثلاثين في المئة بالمجلس التأسيسي.
وخلصت رئيسة "اتحاد المرأة" إلى أن مسالة حقوق النساء تبقى اليوم رهينة تحرر العقليات، ولا تكفي القوانين لضمانها خاصة إذا ما بقيت قوانين دون تطبيق.
سياسيا، أعلنت وزيرة المرأة والأسرة وكبار السن إيمان الزهواني عن جملة من الإجراءات الحكومية الرامية إلى تدعيم مكاسب المرأة ومنها انتفاع المرأة المطلقة بالتغطية الصحية بعد الطلاق، وتمتيع النساء ضحايا العنف بالإعانة العدلية والإرشاد القانوني، والشروع في إعداد مخطط يضمن تكافؤ الفرص بين النساء والرجال، وتسهيل نفاذ المرأة إلى مواقع القرار خاصة في الوظائف العليا.
إلى ذلك قام رئيس الجمهورية قيس سعيد بزيارة إلى معهد نهج الباشا بمدينة تونس وهي أول مؤسسة تربوية كانت مخصصة لتعليم الفتيات، وقال إن الزيارة فرصة لاستحضار بدايات الفكر التحرري للمرأة والحركة التحررية النسوية في تونس.
وأكد رئيس الجمهورية على أنه لا حرية للمجتمع إلا بـحرية المرأة، وأنه مازال الكثير من العمل الذي يجب القيام به على مستوى "العقليات" لتعزيز حقوق النساء.