من المتوقع أن تصطدم الجهود الرامية للضغط على إثيوبيا بوقف الملء الثاني لبحيرة سد النهضة في يوليو المقبل واللجوء لآلية الوساطة الأوروبية بعقبات قانونية ومفاهيم كبيرة تتعلق بتفسيرات إعلان المبادئ الموقع في 2015، إضافة إلى أخرى فنية أوجدها واقع التطورات على الأرض، فما هي تلك العقبات؟
أمر واقع
يؤكد وزير الري السوداني الأسبق عثمان التوم أن الملء الثاني لبحيرة سد النهضة بات حتميا ولم يعد بإمكان إثيوبيا وقفه بعد التقدم الذي حدث مؤخرا في الحوائط الخرسانية الخاصة بالسد.
ويتخوف السودان من الآثار السلبية، التي يمكن أن تحدث جراء الملء الثاني لبحيرة السد. وعندما نفذت إثيوبيا بشكل مفاجئ في يوليو 2020 خطة الملء الأولى بمقدار 4.5 مليار متر مكعب دون تنسيق البيانات مع السودان تعطل عدد من محطات ضخ مما تسبب في أزمة حادة في مياه الشرب بالعاصمة الخرطوم وعدد من المدن السودانية الأخرى.
وكان وزير الري السوداني ياسر عباس قد حذر إثيوبيا في وقت سابق من خطورة المضي في تنفيذ خطة الملء الثاني لبحيرة السد في يوليو المقبل بمقدار 13.5 مليار متر مكعب، مشيرا إلى أن ذلك سيضر بحياة ومعاش 20 مليون سوداني على ضفاف النيل ورافده.
وفي الجانب الآخر ينظر البعض إلى الفوائد التي يمكن أن يجنيها السودان من السد، الذي وصفه العالم المصري فاروق الباز بأنه يشكل بالنسبة للسودان مثلما يشكل السد العالي بالنسبة لمصر، حيث سيساعد على تنظيم جريان النيل الأزرق ويقلل مخاطر الفيضانات والطمي، كما يساعد على استثمار ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية السودانية فضلا عن توفير طاقة كهربائية رخيصة.
عقبة رئيسية
وحول المظلة الرباعية التي اقترحها السودان وأيدتها مصر، قال التوم لموقع "سكاي نيوز عربية" إن مقترح تحويل آلية الإشراف على المفاوضات إلى المظلة الرباعية، المكونة من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يحتاج إلى جهد دبلوماسي كبير لإقناع إثيوبيا، التي قد تستند إلى المادة العاشرة من إعلان المبادئ والتي تنص على ضرورة اتفاق الأطراف الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا على أي آلية وساطة محتملة.
ووفقا للمادة العاشرة المتعلقة بمبدأ التسوية السلمية للمنازعات فإن الدول الثلاث تقوم بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق اتفاق المبادئ بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقاً لمبدأ حسن النوايا.
وتشير إلى أنه إذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق أو الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول الثلاثة.
التعامل مع الضرر
تنبه أستاذة القانون الدولي في الجامعات السودانية إكرام محمد صالح دقاش إلى عقبة أخرى مهمة إذ تشير إلى أن الأمم المتحدة والأطراف الدولية الأخرى لا تستطيع إلزام إثيوبيا بأي مخرجات، إلا إذا أثبتت الأطراف الأخرى (مصر والسودان) تعرضهما لضرر "ذو شأن" وفقا لما ورد في المادة الثالثة من اتفاق المبادئ.
وتنص هذه المادة على أن تتخذ الدول الثلاث كافة الإجراءات المناسبة لتجنب التسبب في ضرر ذي شأن خلال استخدامها للنيل الأزرق، أما في حالة حدوث ضرر ذي شأن لإحدى الدول، فإن الدولة المتسببة في إحداث هذا الضرر عليها، في غياب اتفاق حول هذا الفعل، اتخاذ كافة الإجراءات المناسبة بالتنسيق مع الدولة المتضررة لتخفيف أو منع هذا الضرر، ومناقشة مسألة التعويض.
وتقول دقاش لموقع "سكاي نيوز عربية" إن واحدة من المشكلات المرتبطة بآلية الوساطة الرباعية، عدم وجود آليات قانونية لدى الأمم المتحدة للضغط على إثيوبيا.
خلافات عميقة
منذ التوقيع على اتفاق المبادئ بين الأطراف الثلاثة في 2015، لم تثمر المفاوضات التي انطلقت في 2011 عن أي تقدم يذكر. وتعمقت الخلافات أكثر خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، مما أدى إلى توقف المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الإفريقي.
وتطالب كل من السودان ومصر بضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم، وفي حين تقول مصر إن السد يؤثر على أمنها المائي، يصر السودان على الاتفاق على آلية تنسيق مشتركة لضمان عدم تأثر سد الروصيرص بعمليات الملء والتشغيل.
وتصدر ملف سد النهضة مباحثات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في الخرطوم، السبت، الذي أعلن دعم بلاده للمقترح السوداني الخاص بتوسيع مظلة الوسطاء.
وأعلن السيسي رفض أي إجراءات أحادية من جانب إثيوبيا فيما يتعلق بخطط الملء الثاني لبحيرة السد، مشيرا إلى أن ذلك يشكل تهديدا للمصالح المصرية والسودانية.
وعرضت الأمم المتحدة، الجمعة، المساعدة في كسر جمود التفاوض بين كل من السودان ومصر وإثيوبيا حول سد النهضة الذي تبنيه الأخيرة على بعد 15 كيلومترا من الحدود السودانية بتكلفة تقدر بنحو 5 مليارات دولار ويتوقع له أن يكون أحد عمالقة الطاقة في العالم بطاقة إنتاجية تبلغ 6 آلاف ميغاوط سنويا.
آلية التنسيق
على الرغم من عدم رفض إثيوبيا صراحة لمسألة تشكيل آلية تنسيق مشتركة مع كل من السودان ومصر، إلا أنها لا تزال تمضي بشكل أحادي في تنفيذ خطط الملء.
وفي هذا السياق، تشير دقاش إلى ورقة مهمة يمكن أن تكون في صالح دولتي المصب، وبشكل أكبر السودان، حيث تلزم المادة الخامسة من اتفاق المبادئ إثيوبيا بإنشاء آلية تنسيق تجنب السدود السودانية أي أضرار محتملة جراء التشغيل خصوصا تلك التي يمكن أن يتعرض لها سد الروصيرص السوداني الذي يبعد نحو 100 كيلومترا فقط عن السد الإثيوبي.
وتنص المادة الخامسة على أن تنشئ الدول الثلاث آلية تنسيقية مناسبة لتنفيذ الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول والسنوي لسد النهضة والتي ستشمل كافة السيناريوهات المختلفة، بالتوازي مع عملية بناء السد.
كما تنص على أن تقوم إثيوبيا بإخطار دولتي المصب بأية ظروف غير منظورة أو طارئة تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد، لضمان استمرارية التعاون والتنسيق حول تشغيل سد النهضة مع خزانات دولتي المصب.
جانب مضيء
على الرغم من العقبات التي قد تنجم عن تفسير بنود اتفاق المبادئ والجزئية التي تحدثت عنها دقاش والمتعلقة بعدم وجود آليات قانونية ملزمة، إلا أن التوم يشير إلى أن دخول الأمم المتحدة يمكن أن يدفع المفاوضات إلى الأمام.
ويوضح التوم رؤيته بالقول: "عندما تكون هنالك دول تتفاوض حول أمر ما وكل دولة تتعنت في مواقفها يصبح من الضروري وجود مسهل قادر على إيجاد ارضية مشتركة".
ويضيف التوم أن قوة الأمم المتحدة تكمن في قدرتها على التأثير من خلال منح تسهيلات محددة.
ولا يرى التوم طريقا آخرا غير المفاوضات في ظل التعنت الحالي والذي يرتبط بحسابات إثيوبيا المبنية على الضغوط الانتخابية والمشاكل الداخلية المتفاقمة.