أشاد وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، الثلاثاء، بالروابط التي تجمع بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي، مؤكدا دعم المملكة المغربية لأمن واستقرار دول الخليج الشقيقة، ورفضها لأي تهديد يطالها.
وشدد بوريطة خلال اجتماع مع نايف فلاح مبارك الحجرف، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، بحسب بيان صادر عن الخارجية المغربية، على استعداد المملكة المغربية لمواصلة العمل من أجل تطوير مسار هذه الشراكة، بما يعزز العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والبشرية بين الجانبين.
وشملت المباحثات التي تم عقدها عبر تقنية الاتصال عن بعد، مسار الشراكة الاستراتيجية القائمة بين المملكة المغربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ سنة 2011، إضافة إلى عدد من القضايا العربية والإقليمية، عبّر فيها الجانبان عن تطابق وجهات نظرهما إزاءها، لاسيما ما يتعلق بجهود الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، في الدفاع عن الوضع الخاص للقدس وحماية طابعها الإسلامي، وكذلك تأكيد موقف دول المجلس الثابت في دعم سيادة المغرب على صحرائه ووحدة أراضيه.
وتعتبر مضامين هذا الاجتماع، بحسب خبراء ومتتبعين، تجسيدا للمنظور الذي أعلنه الملك محمد السادس، في الخطاب الملكي أمام القمة المغربية - الخليجية المنعقدة بالرياض خلال العام 2016، حيث أكد ما اعتبره "روابط قوية، لا ترتكز فقط على اللغة والدين والحضارة، وإنما تستند أيضا، على التشبث بنفس القيم والمبادئ، وبنفس التوجهات البناءة"، معتبرا أن الشراكة الاستراتيجية المغربية الخليجية، "هي نتاج مسار مثمر من التعاون"، ومشيدا بـ"التعاون الأمني والاستخباراتي المتواصل"، على سبيل المثال، فيما أكدت القمة ذاتها على ضرورة "تشكيل تكتل استراتيجي موحد".
ويرتبط المغرب باتفاق للتعاون الاستراتيجي مع دول مجلس التعاون تم توقيعه في الرياض عام 2012، ويشمل مجالات التعاون السياسي والاقتصادي والاستثماري والتجاري والسياحي والأمني والثقافي والعلمي، وهي الاتفاقية التي شملها قرار التمديد إلى سنة 2024، وذلك عقب لقاء عقدته الخارجية المغربية، عن بعد، مع كبار الموظفين في وزارات الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي، خلال بداية الشهر الجاري، بحسب مصادر إعلامية.
وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن المغرب يفتح أمام دول الخليج العربي بوابة سوق ضخمة يفوق تعدادها مليار مستهلك في أكثر من 60 بلدا، بفضل موقعه الجغرافي، وحضوره القوي في القارتين الإفريقية والأوروبية، وكذلك مجموع اتفاقيات التبادل الحر التي وقعها خلال الآونة الأخيرة مع عدد من الدول، فيما يرتقب أن ترتفع الاستثمارات الخليجية المباشرة في المغرب، بحسب بعض التقديرات، من 5 مليارات دولار إلى 120 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة.
وتولي دول الخليج للمغرب اهتماما خاصا، بحيث حصل في السنوات الأخيرة على منحة من المملكة العربية السعودية في شكل هبة غير قابلة للاسترداد، وذلك بمقتضى ثلاث اتفاقيات تمويل تصل قيمتها الإجمالية إلى 230 مليون دولار، وأيضا المنحة التي قدمتها الإمارات للمغرب بقيمة 1.25 مليار دولار في إطار المنحة الخليجية التي تبلغ 5 مليارات دولار على مدى خمس سنوات.
ومن القطاعات التي ينصب عليها الاهتمام الاقتصادي المغربي الخليجي تأتي التكنولوجيات الحديثة وصناعة الأدوية والسيارات والطيران والطاقات المتجددة وصناعة الأثاث والبناء والأشغال العمومية والصيدلة والصناعات الكيماوية والخدمات المصرفية والمالية والاستشارة في الاستثمارات والتجارة الدولية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والسلامة الإلكترونية.
وعن الاستثمار في القطاع الزراعي والغذائي، يقول الخبير والمستثمر في القطاع الزارعي، التهامي الشياظمي، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية، إن "المغرب يمتلك بنية مؤسسية قوية ومتطورة، ويقدم تسهيلات غاية في الأهمية لتطوير القطاع الزراعي"، لافتا إلى امتلاك البلاد "ليد عاملة نشيطة ومؤهلة، وخبرات ذات صيت عالمي في الهندسة الزراعية، فضلا عن الرصيد الهائل من الأراضي الزراعية ذات الجودة العالية".
وأضاف التهامي، موضحا أن "دول الخليج العربي بدورها تتوفر على تجربة مهمة في مكننة الزراعة وتطويرها، ولديها رؤوس أموال برهنت على طموحات كبرى"، ما يؤكد أن "التعاون الزراعي المغربي الخليجي له رصيد مهم، وسيكون على قدر كبير من الأهمية في المستقبل".
ويقول خبراء إن الاستراتيجيات القطاعية الواعدة التي انخرط المغرب في تفعيلها خلال السنوات الأخيرة، من قبيل مخطط الإقلاع الصناعي ومخطط المغرب الأخضر والمغرب الرقمي والمخطط الأزرق ومخطط أليوتيس واستراتيجية الطاقات المتجددة، وتطوير بنيات الاستقبال السياحي، سيجعل الشراكة المغربية الخليجية ناجحة وذات أفق استراتيجي كبير.
ومن جهته، نبّه الخبير في العلاقات الدولية، أحمد نور الدين، إلى "التحديات المشتركة المفروضة على المغرب ودول الخليج"، مشيرا إلى "تحدي الأمن الإقليمي وتحدي الاستقرار الداخلي" معتبرا أنهما "عنوانان بارزان يختزلان إشكالات الإرهاب والحروب الطائفية، والصراع حول مصادر الطاقة والثروات الطبيعية، ورهان التنمية الشاملة والإقلاع الاقتصادي".
وأشار نور الدين في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" إلى الأهمية التي يكتسيها "محور التعاون الأمني والعسكري والقضائي" داعيا إلى "المرور إلى أشكال جديدة من التنسيق الذي تتولد عنه مؤسسات قائمة الذات"، في إشارة إلى الآفاق المؤسسية للتعاون المغربي الخليجي، قبل أن يؤكد أن الشراكة المغربية الخليجية ستتحول إلى "نواة صلبة لنظام عربي جديد في القرن الواحد والعشرين، قائم على أسس اقتصادية متينة تصحح أخطاء القوميين الذين شيدوا أحلام الوحدة على أسس إيديولوجية أثبتت فشلها، بل إنها ساهمت في تكريس الخلافات والانقسامات العربية طيلة القرن العشرين".