نفذ عدد من التونسيين، صباح الأحد، وقفة مساندة للرئيس قيس سعيد أمام منزله بمنطقة المنيهلة بالعاصمة، حيث رفعوا لافتات للتضامن مع الرئيس، في مواجهة "حملة التشويه" ومحاولة التسميم، وأيضا تصريحات رئيس البرلمان راشد الغنوشي التي هاجمه فيها.
وكان راشد الغنوشي قد قال في حوار مع عدد من أنصاره عبر تطبيق "زوم"، إن "تحفظات الرئيس قيس سعيد على التحوير الوزاري تعد من باب المكائد، وهدفها إسقاط التحوير".
كما تحدث الغنوشي عن توزيع السلطات في البلاد، قائلا: "إن الدستور فرض توزيع السلطات بين السلطة التنفيذية والتشريعية، وإن السلطة التنفيذية بيد حركة النهضة في نظام برلماني، وإن اعتقاد سعيد بأن له الحق في قبول أو رفض بعض الوزراء يطرح إشكالية".
وأضاف في ذات السياق، أن موضوع الحكم ورئيس الوزراء "يعود إلى حزبه، وأن تونس تعيش اليوم صعوبة المزج بين النظام الرئاسي والبرلماني.. والدرس الذي ستصل إليه هو الذهاب إلى نظام برلماني بالكامل".
تصريحات أثارت موجة من الغضب والاستياء لدى الساسة والنشطاء، فأشارت أصابع الاتهام للغنوشي بمحاولة الالتفاف على الديمقراطية التونسية، وتغيير شكل النظام لصالح حزبه.
وتعمقت الأزمة السياسية بعد تصريحات الغنوشي، الذي خرج لأول مرة عن مناوراته ووجه السهام بشكل مباشر لرئيس الجمهورية، بعد أشهر من التصريحات التي نفى فيها توتر علاقته به.
أزمة قال عنها الصحفي والمحلل السياسي، جمال العرفاوي، إنها "كشفت المواجهة التي كانت مخفية بين الغنوشي وسعيد، لتصبح الخصومة بين الرجلين دون أقنعة".
واعتبر العرفاوي في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الغنوشي يحاول عبر تصريحاته "إرباك رئيس الجمهورية"، مضيفا: "أما السيناريو الذي يطرحه بالاتجاه نحو النظام البرلماني، فهو دليل آخر على أن الغنوشي أبعد ما يكون عن اهتمامات الشعب التونسي وتوجهاته؛ حيث تبرز آخر استطلاعات الرأي أن 94 بالمئة من التونسيين يرفضون استمرار البرلمان لأنه يضم فاسدين".
العرفاوي يقرأ أيضا تصريحات الغنوشي كنوع من مراوغاته المستمرة، التي تهدف لقطع الطريق أمام صعود الحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسي، التي تشير كل المؤشرات إلى تصاعد شعبيته.
حتى أنه لا يرجح استمرار حركة النهضة في المطالبة بتعديل القانون الانتخابي، خوفا من استفادة موسي من ذلك.
ورأى العرفاوي أن الغنوشي يسعى أيضا "لقطع الطريق أمام سعيد وتحجيم سلطته"، إذ يبدو جليا اليوم أن سعيد سيبقى رئيسا لتونس حتى بعد الانتخابات المقبلة، كما تؤكد استطلاعات الرأي.
من جانبه، قال المحلل السياسي باسل الترجمان، إن "الغنوشي في تصريحاته الأخيرة بدا عليه التوتر وعدم الاهتمام بصورته الخارجية التي رسمها ما بعد سنة 2010، وجاءت تعبيراته عن موقفه عنيفة وفيها تهجما على رئيس الجمهورية".
واعتبر الترجمان في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الغنوشي أعلن "نهاية مشروع النظام البرلماني المعدل الذي يحكم تونس، الذي يقضي بتقاسم السلطات بين الرئيس والبرلمان، وهذا اعتراف ضمني منه بفشل المنظومة التي جاءت بها حركة النهضة بعد الثورة".
وتابع: "أما حديث الغنوشي عن دور ثانوي للرئيس، فهو مخالف لدستور 2014 ومجانب للمنطق، حيث انتخب الرئيس سعيد وحده في الانتخابات الماضية ثلاثة ملايين تونسي، بينما حظي البرلمان برمته بأصوات أقل من مليوني ناخب، مما يؤكد أن طرح الغنوشي بلا معنى وغير قانوني ومخالف للدستور".
وأكد المحلل السياسي أن ما يجري يعبر عن حجم الأزمة التي تفاقمت في تونس، مع تلويح الغنوشي بالانقلاب على الدستور والنظام السياسي، رغم أن تغيير نظام الحكم أو الدستور لا يمكن أن يحدث خارج آليات الاستفتاء والتعديل المضبوطة بالقانون.
وعن سيناريوهات الصراع القائم بين الرئاسات الثلاث، أكد المحلل السياسي محمد صالح العبيدي أن "أزمة اليمين الدستورية تبدو مفتعلة من الحزام الحاضن لحكومة المشيشي، والمتكون من النهضة وحلفائها، حيث أن الدستور لا يلزم المشيشي بالذهاب إلى البرلمان وإلى الرئيس في حال التعديل الحكومي".
واستطرد قائلا: "لرئيس الحكومة مطلق الصلاحيات لإجراء التعديل على حكومته؛ أما ذهابه إلى البرلمان فهو بدعة فيما يعتبر أداء القسم أمام رئيس الجمهورية مجرد بروتوكول؛ وبالتالي فإن الحكومة بتعديلاتها يمكنها المرور للإنجاز والعمل؛ أما افتعال أزمة اليمين الدستورية فيأتي في سياق محاولات إحراج سعيد، لإخراجه كعنصر تعطيل في المشهد السياسي، وهي معركة سياسية دون مضمون واقعي".
ووصف العبيدي تصريحات الغنوشي بـ"إعلان حرب ظلت خفية في المنصات الإلكترونية طيلة عام كامل، لأول مرة يدفع بها زعيم النهضة للعلن، في محاولة منه لتقزيم رئيس الجمهورية وإظهاره دون وزن سياسي، وأنه (الغنوشي) يتحكم في اللعبة السياسية".
واعتبر العبيدي أن الغنوشي "بدا كأنه يحتفي بانتصار سياسي ضيق، خاصة بعد أن أسقط التحوير الوزاري الأخير كل الوزراء المقربين من سعيد".
وقدّر المحلل السياسي موقف الغنوشي "بالاستهداف المباشر للرئيس، ومحاولة رد الاعتبار بعد تقزيمه في مجلس الأمن القومي الأخير من قبل سعيد". وأضاف: "يبدو أن الغنوشي خرج بخصومته مع سعيد من العقلانية إلى حيز التصورات الذاتية والمجالات الغرائزية الضيقة".
وفي سياق التجاذبات نفسها، أكد رئيس مرصد الشفافية والحوكمة الرشيدة، العربي الباجي، أن المرصد قدم شكاية جزائية لدى وكالة الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس، ضد رئيس مجلس نواب الشعب على خلفية "تسجيل خروقات شكلية" في المراسلة التي وجهها لرئيس الجمهورية بعد المصادقة على التحوير.
من جانبها، ردت عدد من الأحزاب السياسية بقوة على تصريحات الغنوشي، إذ اتهم رئيس حركة مشروع تونس، محسن مرزوق، الغنوشي بـ"التفكير في الانقلاب".
واعتبر مرزوق في تدوينة نشرها على صفحته بموقع فيسبوك، أن "ما قاله الغنوشي عن دور رئيس الجمهورية، بغض النظر عن شخص رئيس الجمهورية، هو تعبير صادق عن فكره الانقلابي العميق".
وأضاف: "ما قاله عن ضرورة إرساء النظام البرلماني الكامل، هو تعبير أصدق عن رغبة الإخوان في هذا النظام"، على اعتبار أنه "يفكك الدولة الوطنية التي يكرهونها".
بدوره، وصف رئيس حركة "تونس إلى الأمام" عبيد البريكي، دعوة رئيس البرلمان لتحويل النظام الحالي بالبلاد إلى نظام برلماني كامل، بـ"الانقلاب".
وقال البريكي في تدوينة على "فيسبوك"، إن "الغنوشي الذي انتخبه بضع آلاف وبمال فاسد وفق محكمة المحاسبات، يدعو إلى انقلاب على رئيس انتخبه 3 ملايين ناخب".
فيما اعتبر النائب عن حركة الشعب، حاتم البوبكري، أن الغنوشي "أعلن بتصريحاته عن دكتاتورية الحزب الحاكم والبرلمان المعادي للشعب".