بعد حوار استمر لمدة يومين في مدينة بوزنيقة جنوبي العاصمة المغربية الرباط، تمكن الفرقاء الليبيون من الاتفاق على صيغة بشأن المناصب السيادية في البلاد، التي كانت أحد الملفات الخلافية، لكن العمل الشاق لا يزال أمام الليبيين خصوصا مع هشاشة الوضع الأمني والتدخلات الخارجية.
وبحسب بيان المشاركين في الحوار، تكمن أهمية الإنجاز الدبلوماسي في كونه مقدمة "لتشكيل سلطة تنفيذية للمرحلة التمهيدية في ليبيا".
ويرى عضو مجلس النواب الليبي محمد الرعيض، في حديث إلى موقع "سكاي نيوز عربية"، أن "اجتماع بوزنيقة ممتاز"، مشيرا إلى أن "هناك توافق من الكل على ضرورة تغيير المناصب السيادية في أقرب وقت".
قائمة المناصب السيادية
وتشمل تلك المناصب السيادية محافظ مصرف ليبيا المركزي، والنائب العام، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، ورئيس المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس المحكمة العليا، بحسب المصدر نفسه.
وسيفتح باب الترشح للمناصب السيادية السبعة بين 26 يناير و2 فبراير، وبعد ذلك سيتم تقديم الترشيحات إلى ممثلين عن البرلمان الشرعي وحكومة فايز السراج، على أن تتولى فرق عمل مصغرة إدارة الأمر.
جزء من الحل
وبعدما وصل التوتر ذروته بين الطرفين في ليبيا عام 2020، نجحت الجهود الدولية في الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار دائم في أكتوبر، لتتبع ذلك جولات من الحوار السياسي بدعم من الأمم المتحدة، بعضها أقيم في المغرب.
واتفق الفرقاء الليبيون على إجراء انتخابات عامة في البلاد في ديسمبر 2021 للوصول إلى حكومة موحدة، وتريد الأمم المتحدة حكومة مؤقتة سيجري التصويت عليها في فبراير المقبل بمدينة جنيف السويسرية، للإشراف على المرحلة الانتقالية.
وسيساعد حسم المناصب السياسية في إتمام مهمة الحكومة الانتقالية.
واتفق ممثلون من المعسكرين خلال اجتماعهم في مصر هذا الأسبوع، على تنظيم استفتاء على الدستور قبل إجراء الانتخابات المقررة.
وستعقد محادثات جديدة بين الأطراف الليبيين في مصر في فبراير، لتحديد خريطة طريق للاستفتاء والانتخابات، وفقما نقلت "فرانس برس" عن السلطات المصرية.
إشادات عربية ودولية
وأشاد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، بالتقدم الذي أحرزه الحوار السياسي الليبي في مباحثات بوزنيقة، منبها إلى أهمية التفاهمات حول منصب محافظ البنك المركزي "نظرا إلى عمله على توحيد مؤسسات البلاد وتقديم خدمات أفضل لليبيين".
وقال إن "هذا سيفتح الباب على مصراعيه أمام التحديات التي تقف أمام البلاد على صعيد بناء المؤسسات"، مؤكدا على "حرص المغرب على وقف التدخلات الأجنبية" في ليبيا.
والاجتماع الذي نتجت عنه هذه التفاهمات، جاء بعد نحو شهر على اجتماع مثيل له في مدينة طنجة شمالي المغرب، شارك فيه وفدان يمثلان المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، ومرت فصوله وسط ترحيب دولي لافت.
وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان على أن "حكومات فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وإيطاليا والمملكة المتحدة ترحب بتصويت منتدى الحوار السياسي الليبي لصالح آلية اختيار سلطة تنفيذية مؤقتة جديدة، ستسمح بتنظيم انتخابات وطنية في ليبيا في 24 ديسمبر 2021".
الدور المغربي
واعتبر الباحث في العلوم السياسية عبد الحفيظ أدمينو، التفاعل الدولي الإيجابي مع بوادر حل الأزمة الليبية "دلالة على التحولات الإقليمية والدولية".
وشدد أدمينو في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، على أهمية "تحقيق نوع من التراكم الإيجابي على مستوى الملف الليبي، المتمثل في الاتفاق الذي تم تحت إشراف الأمم المتحدة بخصوص آلية اختيار السلطة التنفيذية الجديدة التي ستحضر للانتخابات العامة المقبلة، وكذلك اتفاق الغردقة حول إجراء استفتاء على الدستور قبل موعد إجراء الانتخابات".
كما قال الباحث في العلاقات الدولية أحمد صلحي لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "نتائج مباحثات الاجتماع التشاوري بين مجلس النواب والمجلس الأعلى في بوزنيقة، تعد استمرارا لتنفيذ خريطة طريق الأمم المتحدة للحل الشامل بليبيا".
وأضاف صلحي أن "الأمم المتحدة تعول على المسار المغربي والتفاهمات الداخلية التي يحتضنها لإنهاء المرحلة الانتقالية، بعد التوافق على إنهاء الانقسام السياسي وتثبيت وقف إطلاق النار"، منبها إلى أن "هذه المحادثات تظهر استمرار التفاهم الليبي.
التعقيدات الكثيرة
لكن الباحث في العلاقات الدولية حذر من أن تصطدم "المسارات التفاوضية بتعقيدات الوضع الأمني الداخلي وهشاشة هذه المسارات، إلى جانب التدخلات الخارجية"، مشيرا إلى "التحذيرات الأممية من توظيف النخب السياسية لهذه المسارات للحفاظ على الوضع الراهن".
كما أكد الباحث القانوني نوفل بوعمري لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن اللقاء الحالي "تمكن فعلا من تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف، لينتهي الأمر بتوزيع المناصب السياسية السيادية على تمثيل الأقاليم الثلاثة التاريخية طرابلس وبرقة وفزان، في اتجاه إنهاء الانقسام وتوحيد جميع الكيانات".
وأردف بوعمري أن "الشعب الليبي والأمم المتحدة والمحتضن المغربي كسبوا جميعا الرهان على أن تتجاوز مختلف الأطراف التعقيدات السياسية الناتجة عن فشل المرحلة الانتقالية التي شهدتها ليبيا، بعد انهيار نظام القذافي".
لكنه نبه إلى "الاستحقاقات التي ماتزال تطل برأسها على ليبيا"، في إشارة منه إلى "مخاطر التقسيم والفوضى، خاصة مع محاولة التنظيمات الإرهابية تحويل ليبيا إلى سوريا جديدة، بعد الضربات التي تلقتها (هذه التنظيمات) في العراق وسوريا".