تجلس بهيجة الشابة المغربية) 38 سنة(، بمحاذاة حديقة نزهة حسان بالعاصمة الرباط، بانتظار مشغلتها الجديدة التي ستقلها إلى بيتها بحي الرياض، للعمل لديها بمقابل شهري لا يصل إلى 150 دولار، من دون مراعاة للقانون الجديد الذي يلزم المشغل التصريح بالعاملة لديه في صندوق الضمان الاجتماعي، وتقديم مقابل شهري لها لا يقل عن 200 دولار.
تقول العاملة بهيجة باستغراب كبير في تصريح لـ "سكاي نيوز عربية" إنه لا علم لها بهذا القانون ولا بحيثياته، ولم يتم التصريح بها أبدا في صندوق الضمان الاجتماعي، "أعمل في البيوت منذ كان عمري 12 سنة، من أجل مساعدة عائلتي الفقيرة بسلا. أبي مريض، وأمي تعمل في البيوت أيضا، وإخواني الذكور يبيعون الخضر والفواكه في السوق، وأختي الصغيرة هي التي تدرس، وأنا من أتحمل كل مصاريفها، لأنني لا أغب في أن تتعرض لما أعيشه من معاناة مع أصحاب المنازل التي عملت بها".
وتضيف بهيجة أنها تقوم بجميع أشغال البيت من طبخ وكنس وتنظيف طوال اليوم بمقابل مادي لا يغطي جميع حاجياتها، وتقول: "بعض الأسر التي عملت لديها كانت تحسن إلي، وتمنحني تعويضات زائدة، وتخصص لي يوم عطلة، ولكن البعض الآخر كان يتعامل معي بقساوة كبيرة، وفي بعض الأحيان يعطونني راتبي الشهري ناقصا، بسبب تأخري أو عدم حضوري في يوم من أيام الشهر لمرضي أو لظرف طارئ بأسرتي".
وتوضح الكبيرة ذات الأربعين سنة لـ "سكاي نيوز عربية"، أنها على علم بهذا القانون، من خلال الكبسولات التي كانت تقدمها وزارة التشغيل في التلفزيون المغربي من باب التوعية، وأنها طالبت مشغلتها الميسورة الحال بتطبيقه، والتصريح بها في الضمان الاجتماعي، ولكنها رفضت الأمر جملة وتفصيلا، وقالت لها: "إذا لم يعجبك الحال، الباب أمامك، ويمكن لي استقدام عاملة أخرى وبأقل ثمن".
وتشير الكبيرة إلى أنها كتمت غيضها، وتقبلت واقع الحال بمرارة كبيرة، خاصة أن هذا القانون لم يفعل بعد، ولا يطبق منه وبشكل قليل، إلا الشق المتعلق بتشغيل القاصرات، الذي يعاقب عليها القانون، ويحث على عدم تشغيل الفتيات أقل من 18 سنة. الشيء نفسه أكدته العديد من عاملات البيوت العضوات بـ "ملتقى مساعدات البيوت في المغرب"، وهو مجموعة خاصة بالفاسبوك تهتم بقضاياهن ومشاكلهن، اللواتي عبرت البعض منهن عن عدم درايتهن بتفاصيل هذا القانون، والبعض الآخر بعلمهن به وبتفاصيله، ولكن المشكل يظل في تطبيق هذا القانون، حيث ما زالت عاملة البيت هي الضحية، حيث يمكن الاستغناء عنها في أي لحظة ولأي سبب، كما حدث خلال هذه السنة مع أزمة كورونا، حيث بقيت العديد من العاملات من دون عمل، والقليل منهن من ظلت الأسر المشغلة لهن تصرف أجرتهن، تضامنا معهن في هذه المحنة، وتجاوبا مع الحملات التي أطلقت وطالبت المشغلين باستمرار أداء إجراءات العاملات في ظل الحجر.
أصبح وجود عاملة البيت بالنسبة للكثير من العائلات المغربية في السنوات الأخيرة أمرا ضروريا، وذلك لمساعدة ربات البيوت على التخفيف من أعباء المنزل، ومساعدتهن في تربية الأطفال، فنجد من يلجأ إلى عاملات مغربيات، فيما البعض الآخر يلجأ إلى عاملات أسيويات يتم استقدامهن لهذه الغاية للعمل بالمغرب، إما من أجل التباهي، أو من أجل مساعدة أبنائهم في تعلم اللغة الإنجليزية التي تتحدثها العاملات الأسيويات بطلاقة.
تحظى بعض العاملات المنزليات بالعناية والتقدير للعمل الذي تقدمنه كمساعدات للأسر المحتاجة لعملهن، ولكن البعض منهن، فإذا سلمن من استغلال السماسرة، فعملهن يتم تبخيسه ولا تتقاضين عنه حتى أجرا مشرفا، مع لامبالاة كبيرة لقانون عاملات المنازل الجديد، الذي دخل حيز التطبيق في المغرب منذ 3 يونيو 2020، وأصبح إلزاميا، ومن يخالفه يتعرض لمجموعة من العقوبات، وهو قانون يسري على العاملات المغربيات والأجنبيات بالمغرب، خاصة بعد الأحداث المريرة التي عاشتها مجموعة من عاملات البيوت المغربيات والأجنبيات، ومنهن طفلات، في السنوات الأخيرة، بما فيها الحرق والتعذيب والضرب والتجويع والتسبب في الكسر أو الموت، وما إلى ذلك من تصرفات مشينة لا علاقة لها بحقوق الإنسان.
وينص هذا القانون الجديد) رقم 19.12(، القاضي بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين، أن يكون هناك عقد مكتوب بين العاملة المنزلية والمشغل، مؤشر عليه لدى مندوبية التشغيل، يحدد شروط وظروف العمل، حيث لا تتعدى ساعات العمل أسبوعيا 48 ساعة مع إجازة أسبوعية، إضافة إلى راتب شهري لا يقل عن 60 بالمائة من الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، وهو ما يعادل حوالي 1540 درهما شهري – حوالي 175 دولارا أميركيا، دون احتساب المأكل والسكن (الحد الأدنى للأجور هو 2570 درهما) (290 دولارا)، وتسجيلها في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لتستفيد من التعويضات العائلية والتقاعد والتغطية الصحية والعطل.
كما يضمن هذا القانون للعاملة المنزلية الحصول على إجازة سنوية مدفوعة الأجر وعلى إجازات في الأعياد الدينية والوطنية. وفِي حال تم التخلي عن خدماتها بشكل تعسفي بعد سنة متواصلة من العمل من حقها الحصول على تعويض مالي.
ويحدد هذا القانون الجديد، الحد الأدنى لسن العاملات المنزليات في 18 عاما، مع فترة 5 سنوات يُسمح فيها للعاملات البالغات 16 و17 عاما بالعمل، تبتدئ من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، إلى غاية 2 أكتوبر 2023، وهو ما رفضته العديد من الجمعيات الحقوقية المدنية، وعلى رأسها جمعية "ما تقيش ولدي"، التي تهتم بقضايا الطفولة والخادمات القاصرات، والتي رأت في هذه المسألة بالذات "استغلالا للأطفال وانتهاكا صارخا" لمصلحة الأطفال الفضلى، وللالتزامات الدولية التي تعهد بها المغرب، وعلى رأسها حماية الأطفال. وهو ما أكده الائتلاف الجمعوي من أجل حظر تشغيل الطفلات خادمات في البيوت، الذي سيق ودق ناقوس الخطر، وأوضح أن عدد القاصرات اللواتي يشتغلن كخادمات في المنازل بالمغرب يبلغ حوالي 30 ألف طفلة.
وتجدر الإشارة إلى أن المنظمة الدولية "هيومن رايتس ووتش" الخاصة بحقوق الإنسان، سبق لها أن أصدرت عام 2012 تقريرا صادما يفضح استغلال عاملات المنازل القاصرات بالمغرب، معزز بشهادات لعاملات أعمارهن أقل من 15 سنة، أكدت فيه أن هذه الفئة من الفتيات "تتعرض للاستغلال والانتهاكات والإجبار على العمل ساعات طويلة مقابل أجور متدنية للغاية".
وقد سجل تقرير المنظمة الدولية وجود ما يزيد عن 66 ألف طفلة تقل أعمارهن عن 15 سنة يعملن بالمنازل في ظروف لاإنسانية ودون حماية، وأكد التقرير أن أغلبهن تتعرضن للعنف الجسدي واللفظي ولاعتداءات جنسية من طرف المشغلين.
ودعت هذه المنظمة السلطات المغربية، اتخاذ خطوات لضمان الامتثال لـ "قانون العاملات والعمال المنزليين" الجديد، عبر ضمان وجود عمليات تفتيش صارمة للعمل، وتزويد العاملات المنزليات بفرص أحسن للوصول إلى نظام ملائم لتسوية النزاعات، والتوعية بالقانون الجديد.