كان تمويل الإرهاب من بين أهم الأسباب التي أدت إلى أزمة قطر مع محيطها الخليجي والعربي، وهي ليست اتهامات مرسلة بل وقائع محددة ومثبتة بالوثائق، تتجاوز منطقة الشرق الأوسط إلى أوروبا وآسيا.
هذه الحقيقة أكدها في سبتمبر الماضي تقرير صادر عن أحد مراكز الدراسات البريطانية، عن دور قطر في تمويل الجماعات المتطرفة في أوروبا، وذلك عبر غطاء المنظمات الخيرية غير الحكومية.
وأشار تقرير المركز الدولي لدراسة التطرف (ICSR)، إلى أن الدوحة استخدمت منظمة "قطر الخيرية" لتمويل 138 مشروعا على الأقل في جميع أنحاء أوروبا، ارتبط العديد منها بتنظيم الإخوان الإرهابي.
التقرير الذي يقع في 104 صفحات، ويتضمن خريطة للحركات المتشددة في بريطانيا، لم يكن الأول الذي يتحدث عن علاقة "قطر الخيرية"، بالتنظيمات المتطرفة سواء في القارة الأوروبية أو غيرها حول العالم.
ففي سبتمبر الماضي أيضا، أعلنت سريلانكا مؤسسة "قطر الخيرية" كيانا ممولا للإرهاب، وقد تم إدراجها على لائحة المنظمات الإرهابية، وذلك بعد تحقيقات جنائية استهدفت أنشطة منظمة "انقذوا اللؤلؤة" التي يترأسها المحامي حجاز حزب الله، المتهم بالتورط في جرائم الإرهاب.
وفي أبريل الماضي أيضا، ألقت دائرة التحقيقات الجنائية القبض على حزب الله، بموجب قانون مكافحة الإرهاب.
وأبلغت ديباني مينيك ممثلة إدارة التحقيقات الجنائية، قاضي منطقة فورت في كولومبو عاصمة سريلانكا، أن مؤسسة "قطر الخيرية" كيان ممول للإرهاب، وبناء عليه يجري التحقيق مع منظمة "انقذوا اللؤلؤة" في جرائم تتعلق بتلقي تمويل من منظمات إرهابية وغسيل أموال.
وفي يناير 2020، رفع المصور الصحفي الأميركي ماثيو شيرير، الذي سبق أن تعرض للخطف في مدينة حلب السورية، دعوى قضائية أمام المحكمة الفيدرالية في فلوريدا، يتهم فيها "مصرف قطر الإسلامي" بتقديم تسهيلات مالية لمنظمات إرهابية منها "جبهة النصرة" التابعة لتنظيم القاعدة.
وأوضح ماثيو في تصريحات لقناة "فوكس نيوز" الأميركية، أن البنك المذكور مول هذه المنظمات الإرهابية عبر عدة آليات، منها التبرع بـ500 ألف ريال قطري لمؤسسة قطر الخيرية، الممول الرئيسي للجماعات المتطرفة.
"أوراق قطر".. خبايا التمويل
ويأتي تقرير المركز الدولي لدراسة التطرف، ضمن جهود الكشف عن آليات تمويل قطر للإرهاب، التي كان أبرزها كتاب "أوراق قطر"، للصحفيين الفرنسيين جورج مالبرونو "من صحيفة لو فيغارو"، وكريستيان شينو "من إذاعة فرانس أنتير".
وتضمن الكتاب، من خلال الوثائق الرسمية، رصد الشبكات القطرية في فرنسا خاصة، وأوروبا عامة، ودور "مؤسسة قطر الخيرية"، التي أسستها الشيخة موزة، في تمويل التطرف والإرهاب بأوروبا، وعشرات المدن الفرنسية، حسب الكتاب.
وأظهر الكتاب دلائل تمويل الدوحة لمؤسسات ومشاريع ومراكز دينية مرتبطة بتنظيم الإخوان الإرهابي في أوروبا، فضلا عن رصد تبرعات لبعض المؤسسات والجمعية مثل "المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية"، و"اتحاد المنظمات الإسلامية" في فرنسا، الذي تحول فيما بعد إلى "مسلمو فرنسا"، ويمثل الجناح الرسمي للإخوان في البلاد.
وأشار الكتاب إلى أن التمويلات القطرية لا تتم من خلال عمليات غير مشروعة، لكنها تستخدم أساليب ملتوية ومعقدة يصعب تتبعها، لا سيما أن المؤسسات الممولة تعمل على غسيل هذه الأموال من خلال شركات صرافة وأخرى عقارية ومؤسسات تعليمية.
وكشف الصحفيان الفرنسيان أن هذه التمويلات بلغت أكثر من 40 مليون يورو سنويا داخل فرنسا وحدها.
إعداد الذئاب المنفردة
المحلل السياسي التونسي المقيم في فرنسا، نزار الجليدي، قال إن مؤسسة "قطر الخيرية" تعد ستار الدوحة للتحرك داخل مناطق الصراع في الشرق الأوسط، بين ليبيا واليمن وسوريا وتونس.
وكشف الجليدي في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن هذه المؤسسة تمول بشكل مباشر ما يسمى منظمة "تونس الخيرية"، التي كشف تحقيق قضائي عن بنائها مخيما يضم إرهابيين في مدينة منزه النور الساحلية التونسية.
وأكد أن "قطر الخيرية" تنخرط بشكل مباشر في العملية الانتخابية في تونس، حيث دعمت حملات أشخاص بعينهم في أعوام 2011 و2014 و2019، كما أنها توفر فرص عمل لعناصر الإخوان خاصة في صفوف المعلمين ممكن كانوا في السجون.
وأضاف الجليدي أن المنظمة القطرية متورطة في دعم ميليشيات بعينها داخل ليبيا، منها "ميليشيا الردع" التي تنصب نفسها رقيبا على السلوك المجتمعي، لا سيما "ملابس النساء"، من أجل وضع نمط اجتماعي معين.
وأردف ان "قطر الخيرية" أيضا موجودة في مخيمات الشباب راغبي الهجرة غير الشرعية على السواحل الليبية والتونسية، ضمن مخططات إعداد ما يعرف باسم "الذئاب المنفردة" لتنفيذ عمليات إرهابية في الغرب.
وكشف الجليدي عن وجود شبكة من الجمعيات التابعة لـ"قطر الخيرية" في فرنسا وألمانيا، التي تعمل في أوساط الشباب الفقراء لتجنيدهم مستقبلا.
وكانت الحكومة الفرنسية تنبهت إلى خطورة هذه الإجراءات، وفتحت تحقيقيا على سبيل المثال حول أنشطة وتمويل محال اللحوم الحلال وبيع الكتب والعطور والأقمشة الأفغانية، فضلا عن تمويلها أئمة محظورين في فرنسا.
تكتيك الفدية
ومن جهة أخرى، قالت الباحثة الأردنية في الشؤون السياسية والقانونية الدكتورة دانييلا القرعان، إن قطر مازالت تواصل تمويل الإرهاب عبر توفير تمويلات ومبالغ ضخمة للجماعات المتطرفة، من خلال شبكة تضم جمعيات خيريه واجتماعية ودينية، وبنوك أوروبية تسيطر عليها.
وأضافت لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه "رغم النفي القطري المتكرر، فإن هناك تأكيد من قبل دبلوماسيين غربيين بتمويل الدوحة متطرفين ومتشددين، وإشارات إلى أن دعمها جماعة الإخوان المصنفة إرهابية في العديد من الدول العربية والعالم لم يعد خافيا".
وأشارت القرعان إلى أنه "في عام 2018 تم توجيه تهمه الإرهاب إلى قطر في كوسوفو، وذلك ضمن تحقيقات استهدفت نشاط جمعية خيرية محلية، تتلقى دعما من مؤسسة قطر الخيرية".
كما أكد الباحث المصري في شؤون الجماعات الإرهابية هشام النجار، أن "قطر تستخدم تكتيك الفدية ضمن سلسلة وسائل غير مباشرة لتمويل الجماعات المتطرفة والإرهابية".
ولفت في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن "هذه التكتيكات تساعدها في استمرار عملية التجنيد للعناصر الإرهابية، عبر توفير الدعم المادي لإقامة المعسكرات وشراء السلاح وكل ما يلزم، لتنفيذ الجماعات الإرهابية لعملياتها، التي يستثمرها نظام الدوحة في شكل نفوذ سياسي وأداة ابتزاز وضغط على الدول والقوى التي يستهدفها".