يمكن وصف المواقف وردود الفعل في كردستان العراق إزاء إبرام معاهدة السلام الإماراتية - الإسرائيلية وتلتها البحرينية - الإسرائيلية في مجملها بالإيجابية والمرحبة بحماس ما خلا ربما مواقف بعض التيارات السلفية والإخوانية الدائرة في الفلك الأردوغاني والتي لا ثقل شعبياً لها ولا تأثير كبير على صعيدي الرأي العام والإعلام.
وتجدر ملاحظة أن عدم صدور المواقف الرسمية إن من حكومة إقليم كردستان العراق أو من الأحزاب الكردستانية الرئيسية مرده ولا ريب اعتبارات الارتباط بالسياسة الخارجية لبغداد كون الإقليم جزء من الدولة الفيدرالية العراقية تلك السياسة المتأثرة بالتقليد السياسي العربي المحتضر إياه المعتاش على اجترار سرديات الصراع السرمدي مع "العدو الصهيوني".
كما لا يخفى بموقفي إيران وتركيا ودورهما السلبي بطبيعة الحال في تحديد خيارات العراق ومقارباته، سيما حيال إسرائيل لكنها (القيادات الكردية) تدعم في قرارة نفسها ولا ريب خطوة الإمارات السلمية الشجاعة والجريئة بل وقد صدرت تصريحات علنية مرحبة من قبل بعض المسؤولين السياسيين الكرد داعمة للموقف الإماراتي ومثنية عليه.
حتى أن قيادياً رفيعاً في أحد الأحزاب الكبيرة الحاكمة في كردستان العراق فضل عدم ذكر اسمه لمح في حديث إلى سكاي نيوز عربية إلى أن العراق في المحصلة لن يكون بمنأى عن ركوب قطار السلام الذي أطلقته أبوظبي وأن أحد بنود توصيات الحوار الاستراتيجي الأميركي - العراقي الأخير اللافتة هي تعهد واشنطن بمساعدة بغداد في تحسين علاقات العراق مع الدول المجاورة واللبيب من الإشارة يفهم.
وواقع الأمر أن الإمارات تحظى كدولة اتحادية وتجربة تنموية ونهضوية رائدة بسمعة طيبة وباحترام عال في أوساط النخب السياسية والثقافية والرأي العام الكردستاني عموماً لدرجة أنها تقدم هنا كنموذج وكمثال يحتذى.
وعليه فإن خرق أبوظبي لشرانق الجمود والمراوحة وتحريكها عملية السلام في المنطقة وتنشيطها عبر اتفاقها الأخير مع إسرائيل شكل موضع ارتياح وترحيب عامين ها هنا سيما وأنه لطالما أوغل الخطاب القوموي العروبوي، البعثي منه خاصة، في استهداف الكرد وإسباغ نعوت الخيانة والعمالة لإسرائيل وبوفرة عليهم ووصف كردستان بإسرائيل الثانية وبالجيب العميل.. إلخ المكرورات.
ففي حين كانت ترفرف الأعلام الاسرائيلية في أكبر عاصمة عربية مثلاً لا حصراً كانت البروباغاندا القومجية تشيطن الكرد صباح مساء عبر التوصيفات الهذيانية إياها من طينة عملاء الصهيونية العالمية وغيرها من كليشيهات منقرضة والتي مع تقادمها واهترائها تحولت إلى مجرد لغو وثرثرة ينمان عن العجز والفشل وباتت بلا جدوى تماماً على ما تبدى في فشل وبؤس الحملات الهستيرية ضد الإمارات على خلفية توقيعها معاهدة السلام مع إسرائيل مؤخراً وتهافت الخطاب المعادي لأبوظبي والتحريضي ضدها المثير للسخرية والتهكم.
والحال أن الاتفاق الإبراهيمي كما يرى مراقبون ومتابعون سياسيون في كردستان قطع مبرماً دابر منظومة وعي غوغائي مديد قوامه شيطنة الآخر المختلف والنرجسية المفرطة التي تخفي هزالاُ وانحطاطاً بلا قاع ذلك أن السلام هو خيار استراتيجي إن أريد لشعوب هذه المنطقة التقدم والازدهار والتطور وهذه هي فحوى رسالة الإمارات عبر المعاهدة الأخيرة الموقعة مع إسرائيل للقطع مع السياسات الفاشلة والبالية التي أكل الدهر عليها وشرب (والتي لطالما تحكمت بالمقاربات العربية للقضية الفلسطينية ولمسألة الصراع مع إسرائيل) والتطلع نحو مستقبل مشرق لكل دول المنطقة وشعوبها بما فيها بطبيعة الحال إسرائيل.
في هذا الصدد يقول السياسي الكردي المخضرم يوسف زوزاني في حديث إلى سكاي نيوز عربية: "أن الكرد كشعب صاحب قضية عادلة يعاني من التقسيم وحروب الإبادة وعدم الاعتراف بحقوقه القومية المشروعة في مختلف الدول المقتسمة لكردستان بداهة مع أية خطوات ومبادرات تقود نحو تعزيز مناخات السلام والتسامح والاستقرار في المنطقة كون الحروب والأزمات المتناسلة ولغة الكراهية لا تجدي نفعاً وهي لا تخدم إلا جبهات الاستبداد والتيارات المتطرفة والعدمية التي لا يهمها البتة مصالح الشعوب ومستقبلها وتعتاش على تسعير أجواء الحقد والبغضاء والتنابذ على امتداد منطقتنا بما يخدم خطاباتها المتشنجة والمتخشبة ومشاريعها القاتلة والمنتعشة دوماً على أنهار الدم والدمع".
ويضيف زوزاني، وهو أحد رفاق درب الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني ومستشاره سابقاً: "في المحصلة من حق الإمارات العربية المتحدة وأي دولة وبالمطلق رسم سياساتها وعقد المعاهدات والعلاقات مع الدول الأخرى بما يتوافق ويخدم مصالحها ورؤاها".
والحال أن زمن الوصايات وفرض السياسات المعلبة المنتهية الصلاحية من قبل قوى ومحاور إقليمية تخال نفسها عظمى على مختلف بلدان المنطقة قد ولى غير مأسوف عليه كما يرى كثير من الكتاب والمعلقين الكرد في سياق نقدهم لمواقف أنقرة وطهران من المعاهدة السلمية بين الإمارات وإسرائيل متندرين على كم النفاق والازدواجية التركيين الهائلين فتركيا السباقة كأول دولة في المنطقة تقيم العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل كانت الأكثر جعجعة وياللمفارقة المضحكة في التهجم الكيدي والحاقد على أبوظبي بذريعة توقيعها اتفاقية السلام مع إسرائيل.
ينظر الكرد إلى إيجابيات وتداعيات الخطوة الإماراتية بمنظار استراتيجي طويل الأمد وليس آنياً فقط، ويرون فيها تكريساً لمناخات التسوية والسلام والتسامح بما ينعكس إيجاباً على حلحلة مختلف القضايا المتفجرة والملفات المعقدة في الشرق الأوسط وعلى رأسها القضية الكردية، وهي تالياً تسهم موضوعياً في خدمة تعزيز نماذج الحلول السلمية والمقاربات والمعالجات العقلانية لتسوية الصراعات والنزاعات والتعاطي المرن والمنفتح مع تعقيداتها وتراكماتها وصولاً إلى فك عقدها وإحلال السلام والتعايش والتعاون بدل العنف والتباعد والتخاصم.