انحصرت فرص السودان للخروج من متاهة القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب والمدرج فيها منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي في خيارات تمر جميعها عبر بوابتي نيويورك وتل أبيب.
وتربط الإدارة الأميركية مسألة شطب السودان من القائمة بموافقة الخرطوم على توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل، كما تضغط مجموعة يقودها السناتور شومر في اتجاه ربط التسوية بتعويضات ضحايا تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك.
أزمة معقدة
وبسبب إيوائه مجموعات وشخصيات إرهابية على رأسها زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، تم إدراج السودان في عام 1993 في القائمة التي تضم إيران وكوريا الشمالية وسوريا، مما تسبب في خسائر بنحو 300 مليار دولار لهذا البلد الذي يعيش أوضاعا اقتصادية بالغة التعقيد بعد الإطاحة بنظام الإخوان في أبريل 2019.
وفي أغسطس الماضي توصلت الخرطوم إلى اتفاق مع الإدارة الأميركية يقضي بدفع 335 مليون دولار كتعويضات لأسر ضحايا تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998 والبارجة "يو إس كول" في اليمن في عام 2000.
وبموجب الاتفاق طلبت وزارة الخارجية من الكونغرس تمرير تشريع يضمن ما يعرف بحصانة السودان السيادية، لكن وبعد أن تفاءل السودانيون بقرب انتهاء هذا الكابوس، الذي كبل بلادهم أكثر من ربع قرن من الزمان برزت عقبات أخرى تمثلت في ربط الصفقة بالسلام مع إسرائيل إضافة إلى ظهور مجموعة ضغط تريد ربط الصفقة بتسويات تتعلق بضحايا تفجيرات 11 سبتمبر.
لكن الدبلوماسي المخضرم ووزير الخارجية السوداني الأسبق، إبراهيم طه أيوب، يرى ضررا كبيرا في ربط شطب السودان من قائمة الإرهاب بملفي السلام مع إسرائيل وتعويضات 11 سبتمبر.
ويقول أيوب في هذا السياق، إن الربط بتعويضات 11 سبتمبر يضفي على القضية طابعا تعجيزيا، إذ تعلم واشنطن أن السودان غير قادر على الوفاء بمثل هذه الأموال الباهظة.
أما بالنسبة لربط المسألة بالسلام مع إسرائيل، فيشدد أيوب على أنه سيكون أمر مضر وغير صحي، لأن الأولى قضية ثنائية مرتبطة بين دولتين مستقلتين في حين أن قضية السلام مسألة بين دولتين لا رابط بينهما الآن.
ويقول أيوب إن إصرار الولايات المتحدة على الربط العضوي بينهما سيضر بمستقبل العلاقات بين السودان وإسرائيل، ويظهر الولايات المتحدة وكأنها سمسار لإسرائيل الأمر الذى يفقدها المصداقية.
3 سيناريوهات
وفي ظل هذا الواقع المعقد، يرسم أستاذ السياسة العامة في الجامعات الأميركية، بكري الجاك، 3 سيناريوهات للطريقة التي يمكن أن يعالج بها الملف خلال الأيام المقبلة، يتمثل الأول في تسوية على أساس شطب السودان من القائمة مقابل اتفاق سلام بين الخرطوم وتل أبيب مع ترك الباب مفتوحا أمام احتمال مواجهة السودان مطالبات بشأن تعويضات أسر المئات من ضحايا تفجيرات 11 سبتمبر.
أما السيناريو الثاني فيتمثل في عدم حسم الملف قبل الانتخابات الأميركية في نوفمبر، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تراجع اهتمام الإدارة الأميركية بالملف بحسبان فقدان ديناميكيتيه كورقة انتخابية للحزب الجمهوري.
ويتلخص السيناريو الثالث، بحسب وجهة نظر الجاك، في نجاح جهود الحزب الديمقراطي، التي يقودها السيناتور شومار في ربط مجمل العملية بتعويضات 11 سبتمبر، وهو الاحتمال الذي سيكون أكثر ترجيحا في حال فوز الحزب الديمقراطي بأغلبية مجلس الشيوخ.
وفي حين يرى مراقبون ومسؤولون سودانيون أنه لم يعد هنالك أي مبرر لاستمرار بقاء السودان في القائمة طالما أن الإدراج جاء في الأساس ردا على تصرفات نظام المخلوع عمر البشير الذي أطاح به السودانيون أنفسهم في ثورة شعبية في أبريل 2019، يقول مطلعون على الشأن الأميركي إن المسألة ترتبط بطبيعة المؤسسات العدلية في الولايات المتحدة.
السلام مع إسرائيل
بالنسبة لمسألة ربط الملف بالسلام مع إسرائيل فيبدو الأمر أكثر تعقيدا، حيث ينقسم الجدل في هذا الإطار إلى شقين أحدهما سياسي والآخر مبدئي.
فمن الناحية السياسية يعارض البعض مثل رئيس الوزراء عبدالله حمدوك مسألة ربط شطب اسم السودان من قائمة الإرهاب من منظور عدم وجود علاقة بين الملفين أصلا إضافة إلى رؤيته بأن اتخاذ قرار بشأن السلام مع إسرائيل هو أمر ليس من مهام الفترة الانتقالية.
لكن حتى داخل دوائر أجهزة الحكم هنالك من ينظر إلى الأمر بشكل مختلف مثل محمد حمدان دقلو "حميدتي" نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الذي يرى أن للسودان مصلحة في إقامة علاقة مع إسرائيل.
ويسير الأمر على ذات المنوال في الشارع السوداني، ففي حين يمضي البعض نحو تشجيع إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل انطلاقا من واقع تطورات السياسة العالمية، يعارض آخرون هذا الاتجاه بقوة.
وفي هذا السياق ينتقد القيادي في حزب البعث العربي، عثمان إدريس، من أسماهم بالمهرولين نحو السلام، ويقول إنهم يتوهمون بأن تلك الخطوة يمكن أن تحل مشاكل السودان الاقتصادية أو أن ترفع أميركا بمقتضي الخضوع لأوامرها ومصالحها غير المشروعة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ويشير إدريس إلى أن انتفاضة ديسمبر أسقطت النظام المنسوبة إليه تلك التهم، التي يعلم الجميع أن الشعب السوداني بريء منها، لذلك فإن السعي نحو السلام هو عجز عن إيجاد الحلول اللازمة لمعضلات وتحديات الفترة الانتقالية، وفقا لتعبيره.
وبعيدا عن المواقف الرافضة، برزت خلال الفترة الأخيرة تيارات تدعو لانتهاج سياسة واقعية في العلاقة مع بلدان العالم الخارجي بما في ذلك إسرائيل.
ويضم هذا التيار مجموعات من مختلف التوجهات والأعمار بما في ذلك شباب ورجال دين مثل عبدالرحمن حسن حامد رئيس دائرة الفتوى بهيئة علماء المسلمين، الذي أكد أنه ليس هنالك ما يمنع إقامة علاقة مع إسرائيل طالما أن في ذلك مصلحة للسودان، موضحا أن الأمر يتعلق بالسياسة الشرعية وليس له علاقة بالعقيدة.
وتدافع الصحفية الشابة أمنية مكاوي عن هذا الاتجاه، حيث تقول إن العلاقات الدولية تبنى على المصالح، لذلك ليس هنالك ما يمنع السودان من إقامة علاقة مع إسرائيل طالما أنه ليست هنالك مشكلة مباشرة معها، خصوصا إذا كانت تلك العلاقة ستصب في مصلحة السودان وتسهم في شطب اسمه من قائمة الإرهاب.
ضحايا 11 سبتمبر
من جانبه، يقود السناتور شومر مجموعة ضغط قوية تتكون من عدد من المحامين والسياسيين وأسر الضحايا، حملة تهدف لربط شطب اسم السودان من قائمة الإرهاب بإصدار قانون خاص يضمن حصول عائلات ضحايا تفجيرات 11 سبتمبر على التعويضات اللازمة من السودان في حال حكم القضاء الأميركي بذلك في أي وقت من الأوقات أسوة بضحايا تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام والبارجة "يو أس كول".
ويقول أصحاب هذا الاتجاه إن أي صفقة لشطب اسم السودان من قائمة الإرهاب دون ضمانات تحفظ حقوق ضحايا 11 سبتمبر في مقاضاة السودان ستكون غير مقبولة.
ويقول عدد من ممثلي ضحايا 11 سبتمبر إنهم ظلوا منذ عام 2003، يلاحقون السودان في المحاكم.