في طريقها لشراء ملابس جديدة، تشعر نسمة يحيى، وهي فتاة عشرينية من قصار القامة بمصر، بحيرة وضيق، إذ يتوجب عليها خوض جولات عديدة بالمحلات لشراء ما يناسبها من أزياء ثم إعادة تهيئتها وتصغيرها ليصبح ملائمة لها.
تعيش نسمة، هي وآلاف الأقزام في مصر، معاناة لعدم توافر ملابس مخصصة لهم في المحلات، دفعها ذلك للبدء مؤخرا في إنتاج أول خط أزياء ملائم لقصار القامة، لتساهم بذلك في حل المشكلة.
وتقول نسمة في حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "التجربة بدأت بمجهود ذاتي وسرعان ما تلقت طلبات عديدة من قصار قامة، للحصول على قطع من الملابس التي قامت بإنتاجها".
خلال السنوات الأخيرة لجأت الفتاة إلى تصميم ملابسها بنفسها تفاديا للصعوبات التي تصطدم بها، من ندرة الأزياء الجيدة وعدم قدرتها على اختيار تصميمات مختلفة، وتضيف: "فكرت في تعميم التجربة على أعداد أكبر من قصار القامة والتوسع في عمل تصميميات متنوعة، قمت باستطلاع آراء عدد كبير من الأصدقاء والمعارف الذين تحمسوا للفكرة".
وتُشير مصممة الأزياء إلى تركيزها في تصميم ملابس قصار القامة على أشكال وألوان لا تبرز التقزم أو تفاصيل أجسادهم، للظهور بأفضل إطلالة، فضلا عن ملائمتها لجميع الأعمار السنية.
ومنذ إعلان نسمة يحيى عن مشروعها قبل أيام، استقبلت الكثير من رسائل المساندة والإشادة، وهو ما يزيد حماسها لتحقيق التنوع في الأزياء المقدمة لقصار القامة، ما بين ملابس رسمية ورياضية وفساتين.
وتشدد مصممة الأزياء على أن الملابس المميزة الملائمة لقصار القامة تمنحهم الشعور بالثقة في النفس، والقدرة على ممارسة حياتهم بصورة طبيعية والاندماج في المجتمع.
وبحسب تقديرات دولية، فإن الأقزام هم البالغون الذين لا تزيد أطوالهم عن 146 سنتيمترات، ويصل أعدادهم في مصر إلى 170 ألفا على مستوى الجمهورية وفقا لعصام شحاتة رئيس جمعية رعاية الأقزام المصرية.
وتنص المادة 81 في الدستور المصري، على "التزام الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والأقزام صحيا واقتصاديا واجتماعيا وترفيهيا ورياضيا وتعليميا، وتوفير فرص العمل لهم، مع تخصيص نسبة منها لهم وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم، وممارستهم لجميع الحقوق السياسية، ودمجهم مع غيرهم من المواطنين، إعمالا لمبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص".
"رعاية الأقزام المصرية" جمعية مصرية تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، تأسست عام 2012 لرعاية قصار القامة بمصر وتوفير سبل المساعدة في شتى مناحي الحياة.
وتحدث شحاتة لموقع "سكاي نيوز عربية" قائلا: "نحن سعداء بما تقدمه نسمة. هي خطوة جيدة ستساهم في رفع الحرج عن آلاف الأقزام خلال رحلتهم لشراء الملابس".
ويتابع: "نتواصل حاليا معها من أجل دعمها، فضلا عن تقديم عرض لاستضافتها في الإسكندرية (مقر الجمعية) لتدريب لعدد من الأعضاء على تصميم وتنفيذ الأزياء، لإحياء مشروع قديم تبنته الجمعية في هذا المجال لكنه لم يستمر".
مصنع لملابس قصار القامة
منذ 4 سنوات، حصلت الجمعية على 10 ماكينات للخياطة بالجهود الذاتية بحسب شحاتة، لإنتاج ملابس جاهزة لقصار القامة، يعمل على تنفيذها أعضاء من "رعاية الأقزام المصرية".
ويردف شحاتة: "دربنا العشرات من قصار القامة على الماكينات من خلال متخصصين، ونجحنا في تنفيذ كم كبير من الملابس من بينها بيجامات (ملابس نوم) وقمصان ورداء الصلاة للسيدات".
واتفق رئيس الجمعية مع سلسلة من المحلات الشهيرة في الإسكندرية لبيع ملابس قصار القامة، كما يؤكد شحاتة لموقع "سكاي نيوز عربية"، لكن سرعان ما انطفأت شعلة الحماس.
يوضح شحاتة أن حدوث أعطال مستمرة في الماكينات، بجانب نفاد الخامات التي يعملون بها من دون استلام مواد جديدة نظرا لقلة الإمكانيات المادية، أسفر عن غلق المشروع وتوقف إنتاج الملابس بعد عامين من بدايته.
ورغم ذلك، ساعد المشروع على منح الخبرة للعشرات من قصار القامة، والحصول فيما بعد على فرص عمل جديدة في صناعة الملابس، من بينهم الفتاة الثلاثينية منال محروس.
مواهب في حياكة الملابس
داخل مصنع ملابس بالإسكندرية، تقف منال أمام إحدى الماكينات، تنهمك في أداء دورها باحترافية وتمارس ما تعلمته في السنوات السابقة بجمعية رعاية الأقزام المصرية.
تؤكد منال في حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية" بينما يعلو ضجيج الماكينات من حولها، سعادتها البالغة حينما انخرطت في تصنيع أزياء خاصة بقصار القامة.
وتستطرد: "لا شيء يضاهي رؤيتي لابتسامة أحد قصار القامة بينما يرتدي زيا قمت بتنفيذه، لذلك بذلت أقصى جهد في إتمام الملابس على أفضل صورة ممكنة".
وتتمنى منال أن تتمكن في يوما ما من امتلاك ماكينة أو اثنين، حتى تعود من جديد لحياكة أزياء قصار القامة من الأطفال والكبار، بينما تثمن الدور الذي تقوم به نسمة.
الحالة النفسية لقصار القامة
وتحدث الطبيب النفسي محمد فتحي، الذي عايش من خلال عمله عشرات الحالات من قصار القامة والأزمات النفسية التي يتعرضون لها لأسباب عديدة من بينها افتقادهم لحق بسيط مثل توافر ملابسهم، لموقع "سكاي نيوز عربية"، كاشفا عن الآثار الإيجابية على قصار القامة في حال توفر ملابس خاصة بهم.
ويقول فتحي إن "أكثر الأعراض النفسية الشائعة لدى قصار القامة الاكتئاب والقلق والإحساس بالوحدة، نتيجة لانعزال البعض عن الناس منعا للتعرض إلى التنمر أو التعليقات السلبية".
ويؤكد الطبيب النفسي أن "مسألة عدم توافر ملابس خاصة بقصار القامة، وبحثهم الدائم عن بدائل غير مرضية لها أثر بالغ على حالتهم النفسية، لكونه حقا مسلوبا منهم ولاعتقادهم بأنهم غير مرغوب فيهم".
ويرى فتحي أن تنفيذ خط إنتاج ملابس لقصار القامة خطوة كبيرة يساهم في تحسين حالتهم النفسية وشعورهم بالقبول، وأنهم شركاء في المجتمع.
وينصح الطبيب النفسي قصار القامة بتجنب التفكير في تلك المنغصات وعدم الالتفات لبعض المواقف الصعبة التي يتعرضون لها، مشددا على أهمية الإيمان بأنهم أصحاب تجارب مميزة ولهم وجود حقيقي وملموس.
وينوه فتحي إلى ضرورة التعامل بحرص مع قصار القامة من قبل أفراد المجتمع، خاصة الأقارب والأصدقاء بدون أحكام مسبقة أو رفض، حيث "سيمنحهم ذلك ثباتا عاطفيا".
وتؤمن نسمة يحيى بدورها في إسعاد قصار القامة، لذلك تنوي تقديم مزيد من التصميمات لقصار القامة خلال الفترة المقبلة، مع انتظارها لانضمام مؤسسات حكومية أو خاصة لمشروعها لضمان استمراريته وانتشاره على أوسع نطاق.
ويطالب رئيس جمعية الأقزام المصرية، الجهات المعنية بالتدخل لإعادة فتح مصنع الملابس الجاهزة لقصار القامة، وإتاحة توزيعها في جميع المحافظات، مشددا على أن مؤسسته ستوفر المنتجات بسعر التكلفة.