بعد مرور ربع قرن على العقوبات الأميركية المفروضة على السودان، يتفاءل كثيرون من سكان هذا البلد باقتراب انفراجة تمحو، ولو قليلا، آثار تلك العقوبات المدمرة على اقتصاد البلاد.
ووسط هذا التفاؤل، ثمة جدل بين السودانيين يتعلق بربط قضية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإهراب بتدشين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على السودان في تسعينيات القرن الماضي، بعد إدراج الخرطوم على قائمة الدول الراعية للإرهاب، إبان حكم الرئيس السابق، عمر البشير.
ومنذ مجيئها بعد الإطاحة بنظام البشير في أبريل 2019، بذلت حكومة عبد الله حمدوك، جهودا لشطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وكانت هذه القضية في مقدمة أولوياتها، وأبدت تعاونا كبيرا في مفاوضاتها مع الجانب الأميركي.
الواقعية
وأجمع مراقبون ومحللون، تحدثوا لموقع سكاي نيوز عربية، على أن هناك تفهما واسعا لواقعية الامتثال لطبيعة النظام القضائي الأميركي ودفع 335 مليون دولار تعويضات لضحايا تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة الأميركية في نيروبي ودار السلام عام 1998، والبارجة "يو. أس. كول" في اليمن عام 2000.
وكان تنظيم القاعدة الإرهابي يقف وراء هذه الهجمات، وتقول الولايات المتحدة إنها نفذت بدعم من الخرطوم.
لكن في الجانب الآخر، وعلى الرغم من اتفاق الكثيرين على ضرورة انتهاج خط واقعي يوازن بين مصالح السودان ودعم القضية الفلسطينية، فإن هناك العديد من الذين يرفضون الربط بين جهود شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والعلاقة مع إسرائيل.
وباتت العقوبات وتداعياتها تشكل معضلة حقيقية للإنسان السوداني العادي، فالدمار الكبير لحق بسمعة السودان واقتصاده الذي بات في حالة تشبه الموت السريري.
ووصلت الديون الخارجية إلى أكثر من 64 مليار دولار وتدهورت العملة المحلية، حيث تتآكل قيمتها بوتيرة سريعة للغاية، الأمر الذي رفع معدلات التضخم إلى أكثر من 160 بالمئة، وهو ثاني أعلى معدل في العالم بعد فنزويلا.
ودفعت العقوبات الكثير من القطاعات الحيوية إلى حافة الهاوية، فعلى سبيل المثال، فقدت الخطوط الجوية السودانية كامل أسطولها تقريبا بعد أن كانت حتى ثمانينيات القرن الماضي الأكبر والأكثر انتشارا على مستوى القارة الإفريقية.
كما خسر القطاع الزراعي مشاريع ومقومات عملاقة، إضافة إلى الأضرار الكبيرة التي طالت قطاعات السكك الحديدية والنقل والخدمات والتكنولوجيا والصحة والتعليم.
أصوات جديدة
ووفقا لمحمد شيخون، القيادي في قوى الحرية والتغيير، أبرز القوى السياسية في البلاد، فإنه على الرغم من أجواء التفاؤل الحالية، فقد برزت خلال الأيام الماضية بعض الأصوات التي تدعو لطلب تعويضات لضحايا تفجيرات 11 سبتمبر الذين قتلوا في تفجير برجي التجارة في نيويورك.
وقال شيخون إن "هذا الأمر يمكن أن يضع مزيدا من العراقيل أمام المساعي الحالية، لذلك يجب على المفاوضين السودانيين التشديد على أهمية الحصول على حصانة تمنع ملاحقته مستقبلا".
وأشار شيخون إلى أن السودان كثف خلال الفترة التي أعقبت نجاح ثورة ديسمبر جهوده لشطب اسمه من قائمة الإرهاب، لكن كان لا بد له من تعويض أسر الضحايا، وهو أمر وافق عليه السودان وبالفعل أكدت الحكومة جاهزيتها لدفع التعويضات.
ويرى شيخون أن من شأن نجاح المساعي الحالية أن يمهد لشطب بعض ديون السودان وأن يفتح المجال أمام تدفق الاستثمارات المباشرة والتمويلات والمنح التنموية الميسرة التي حرمت منها البلاد لأكثر من 20 عاما.
حالة قلق
من جانبه، عبر أشرف عبد العزيز، رئيس تحرير صحيفة "الجربدة"، عن حالة القلق تلك بالقول إن "الشعب السوداني دفع فاتورة غالية الثمن عقابا على تصرفات النظام المعزول، وتسببت في أوضاع اقتصادية وسياسية واجتماعية معقدة للغاية نتيجة للعقوبات الأميركية التي تقدر خسائرها المباشرة بمئات المليارات من الدولارات، وعزلة حرمت جيل كامل من كافة مزايا الاندماج الدولي".
وأضاف عبد العزيز أن "السودان أوفى بكل الشروط، لكن مثل هذه الملفات الحساسة تستخدم كجزء من عناصر دعم السياسة الخارجية الأميركية، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، وهو ما يجعل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعمل على حصد نقاط وتحقيق مكاسب في مجال العلاقات الخارجية من خلال ربط الملف بمسألة العلاقة مع إسرائيل، وهو ما قد يعقد موقف السودان".
وأشار عبد العزيز إلى الخطوة الرمزية التي قام بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عندما وصل إلى الخرطوم في أول رحلة مباشرة معلنة بين تل أبيب والعاصمة السودانية.
وبدا الطاهر ساتي، رئيس تحرير "الصيحة"، أكثر انفتاحا حيال التمسك بالنهج الواقعي انطلاقا من موقف السودان الحالي الذي أضعفته سياسة النظام السابق.
ويؤكد ساتي أن "المتغيرات العالمية والإقليمية الحالية والظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشها السودان حاليا، تتطلب ضرورة الإسراع في شطب اسمه من قائمة الإرهاب، لأنه من الواضح أن بقاءه في هذه القائمة يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق التقدم والنمو المطلوب".
وحول العقبة المتمثلة في ربط ملف قائمة الإرهاب بمسألة العلاقة مع إسرائيل، قال ساتي إنه "بات لزاما على السودان التفكير بواقعية وموضوعية، تتماشى مع شعارات ثورة ديسمبر التي تركز على السلام والعيش بأمان، وعلى مسافة واحدة من الجميع في عالم اليوم الذي تسوده ثقافة المصالح".
"بأي ثمن"
وأكد محمد قرض، أحد مؤسسي حزب سودان المستقبل، أنه "يجب على السودانيين أن يكونوا أكثر استعدادا لحذف اسم السودان من قائمة الإرهاب بأي ثمن، لأن خسائر البقاء في هذه القائمة كبيرة وتتزايد يوما بعد الآخر".
لكن بالنسبة للمحلل السياسي مأمون الباقر، فإن شطب اسم السودان من قائمة البلدان الراعية للإرهاب "يجب أن يتم بمعزل عن ملف العلاقة مع إسرائيل، طالما أن السودان أكد أكثر من مرة استعداده لدفع التعويضات من دون أن يكون للشعب السوداني ذنب فيما حدث".
وأبدى الباقر تخوفه من أن "تفرز التجاذبات الحالية من خلال الربط بين الملفين نتائج قد لا يكون للسودان طاقة لتحملها في ظل الهشاشة السياسية والأمنية والاقتصادية التي يعيشها حاليا".
وأكد الباقر على أهمية "تحديد وتقييم الفوائد أو الخسائر المحتملة للعلاقة مع إسرائيل، قبل الخوض في الخطوة".