لا تترك تركيا سبيلا لاستنزاف موارد ليبيا إلا وسلكته، استنادا إلى العلاقات التي تربطها بحكومة طرابلس التي يقودها فائز السراج، وأحدث هذه السبل اتفاق مالي يؤكد مسؤولون أنه يهدف لنهب المقدرات الليبية.
ونشر مصرف ليبيا المركزي التابع للسراج، الأحد، بيانا مقتضبا، قال فيه إن محافظه الصديق الكبير أبرم اتفاقا ماليا ووقع مذكرة تفاهم مع نظيره التركي مراد أويصال.
وتضمنت مذكرة التفاهم "العديد من أوجه التعاون في مجال عمل المصرفين المركزيين، بما يحقق التطوير المؤسسي ورفع القدرات البشرية".
كما تضمنت المذكرة "التعاون في مجال التدريب وتطوير المنظومات المصرفية وأنظمة الدفع الإلكتروني".
لكن البيان لم يخض في تفاصيل هذا التعاون، ولم يتحدث عن جدول زمني لتنفيذه.
مخاطر
لكن وفقا لوجهة نظر رئيس لجنة إدارة أزمة السيولة بمصرف ليبيا المركزي بالشرق الليبي رمزي الأغا، فإن الاتفاق يفرض مزيدا من السيطرة التركية على البنك المركزي الليبي.
وأضاف الأغا في حديث إلى موقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الأصل ألا يكون التدريب (المزعوم في الاتفاق) مقتصرا على دولة واحدة بعينها، بل يجب أن يكون مفتوحا على العديد من الخيارات".
ويعني الاتفاق عمليا دراية واسعة بعمل مصرف ليبيا المركزي والعاملين فيه، كما أن حكومة طرابلس ملزمة بدفع تكاليف التدريب وأنظمة الدفع الإلكتروني والمنظومات المصرفية، التي ستحددها أنقرة.
اتفاقات سابقة
وهذا ليس أول تعاون بين مصرف ليبيا المركزي والبنك المركزي التركي، إذ سبق أن قدم الأول إلى الثاني ودائع بقيمة 8 مليارات دولار أميركي، في وقت يشكو الموظفون في ليبيا من تأخر صرف الرواتب منذ أشهر، فضلا عن انقطاع الكهرباء والماء وشح الوقود.
وكشفت وثائق مسربة في وقت سابق، نشرتها وسائل إعلام ليبية، أن المصرف المركزي حول في المجمل 12 مليار دولار إلى تركيا، توزعت بين 8 مليارات دولار كوديعة في المصرف المركزي التركي، و4 مليارات نقدا لحكومة أنقرة.
وتستغل أنقرة هذه الودائع من أجل تحقيق مصالحها الخاصة بعيدا عن مصالح الليبيين، مثل سد العجز المتفاقم في البلاد، خصوصا لجهة أن هذه الودائع ستظل لسنوات في تركيا بلا فوائد أو عوائد.
ولا يملك الصديق الكبير شرعية، فقد أقاله مجلس النواب الليبي المنتخب من الشعب، لكنه ظل بمنصبه في طرابلس بسبب دعم الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق له.
وقال مسؤولون في حكومة السراج إن علاقاتها مع تركيا "اضطرارية"، مؤكدين أن قرار أنقرة التدخل في النزاع الليبي مرتبط بشكل مباشر مع خططها الاقتصادية بالمنطقة.
وخلال أشهر معدودة، باتت لأنقرة اليد الطولى في الاقتصاد الليبي، إذ أبرمت سلسلة اتفاقات بين الطرفين.
وكان آخرها في أغسطس الماضي، الذي حل المشكلات العالقة بين الشركات التركية وأصحاب العمل في ليبيا، ومهّد لمشاريع جديدة هناك.
ومن بين بنود الاتفاق، ستتمكن حوالى 100 شركة تركية، تخلت عن مشاريعها في ليبيا عام 2011 بسبب الحرب والفوضى حينها، على العودة إلى تلك المشاريع مع الحصول على تعويضات عن الأضرار التي لحقت بها، إلى جانب صفقات بقيمة 16 مليار دولار.
وفي يوليو الماضي، أفضى اتفاق بين الطرفين إلى السيطرة التركية الكاملة على الواردات البحرية إلى مناطق الغرب الليبي، التي تسيطر عليها ميليشيات حكومة السراج.
وكان أردوغان أبرم مع السراج اتفاقين في أواخر نوفمبر الماضي، الأول يهدف إلى ترسيم الحدود البحرين بين ليبيا وتركيا، والثاني عسكري أمني.
وبدا أن أردوغان يريد من الاتفاق الأول السيطرة على الحقول الغنية بالنفط في مياه المتوسط، رغم أن بعضا منها يعود لقبرص واليونان، ولاقى هذا الاتفاق تنديدا إقليميا ودوليا.
وسعى الاتفاق الثاني، كما هو معلن، إلى تقديم دعم لحكومة السراج، لكنه أعطى أنقرة عمليا موطئ قدم جنوبي المتوسط، وموقعا جديدا للنفوذ والسيطرة.
واتضح ذلك، عندما أعلنت أنقرة استحوذها بشكل أو بآخر على قاعدتين استراتيجيتين في ليبيا، هما قاعدتي الوطية الجوية ومصراتة البحرية، كما منحها الاتفاق سيطرة كبيرة على الاقتصاد والأموال الليبية عبر التفاهمات المتتالية.