تذكي التعديلات التي أقرتها قطر، الأحد، على قوانين العمل المعمول بها في البلاد، المخاوف حول مدى التزام الدوحة بالتعهدات الكثيرة التي قطعتها صوريا من أجل تحسين الظروف الصعبة للعمالة الوافدة، خصوصا ممن يعملون في منشآت مونديال 2022، والذي لم يتبق سوى عامين على انطلاقه.
وتثير هذه التعديلات الشكوك لدى المنظمات الحقوقية من أنها لن تعدو عن أن تكون حبرا على ورق، وأنها ستبقى حبيسة نصوصها القانونية كسابقاتها من التعهدات، خاصة وأن السلطات القطرية مضطّرة لمسايرة المشغّلين ومجاملتهم على حساب العمال وحقوقهم سعيا لتحقيق مصلحة حيوية تتمثّل في استكمال بناء منشآت ومرافق كأس العالم في مواعيدها.
ففي العام الماضي، أدخلت قطر إصلاحات على قوانين عمل الأجانب، مثل حظر نظام الكفالة. لكن هذه الإصلاحات وصفت بأنها سطحية وتجميلية.
فقد قالت منظمة العفو الدولية، في تقرير سابق لها، إن "نظام الكفالة ما زال راسخا في مكانه"، مما يؤكد المخاوف لدى المؤسسات الحقوقية حول زيف الوعود والتعهدات التي أطلقتها الدوحة على مدى سنوات، منذ البدء بالتحضيرات الأولى لاستضافة كأس العالم.
ورغم الترحيب بهذه التعديلات الجديدة على القوانين، إلا أن الترحيب كان ترحيبا حذرا، إذ قال ستيف كوكبرن مسؤول العدالة الاقتصادية والاجتماعية بمنظمة العفو الدولية: "نرحب بسن هذه القوانين، وندعو الآن السلطات القطرية إلى ضمان تنفيذها بشكل سريع وسليم".
ولم تأت التعديلات الأخيرة على قوانين العمل، إلا بعد أسبوع من آخر تقرير لمنظّمة هيومن رايتش ووتش الحقوقية حول تقصير السلطات في قطر في توفير الظروف الملائمة لكثير من العمّال الأجانب الذين يشكّلون نحو 90 بالمئة من السكان، وغالبيتهم من دول نامية يعملون في مشاريع مرتبطة باستضافة الإمارة لكأس العالم لكرة القدم العام 2022.
كما أن تقرير هيومن رايتس ووتش لم يكن الأول من نوعه الذي ينتقد قطر ويهاجمها بسبب إساءتها معاملة العمال الأجانب، إذ سبقه الكثير الكثير من التقارير الحقوقية والإعلامية التي وثّقت مجموعة كبيرة من مظاهر انتهاك حقوق هؤلاء العمّال واضطهادهم، وصولا إلى تشبيه ما يجري في الدوحة بـ"العبودية المعاصرة".
ويقول مايكل بيج، نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "عشر سنوات مرت على فوز قطر باستضافة كأس العالم 2022، ولايزال العمال الوافدون يعانون من تأخير دفع الأجور، أو دفعها ناقصة، أو عدم دفعها."
وأضاف: "علِمنا بعمال يعانون من الجوع بسبب تأخير الأجور، وعمال مثقلين بالديون يكدون بالعمل للحصول على أجور ناقصة، وآخرين عالقين في ظروف عمل سيئة خوفا من الانتقام."
وكان بيج قد قال عن تعهدات قطر السابقة بشأن حقوق العمال أن السلطات القطرية مهتمة بالترويج لهذه الإصلاحات الطفيفة في وسائل الإعلام أكثر من إنجاحها.
ومما ساهم في نشر غسيل الدوحة العفن في ممارساتها إزاء العمالة الوافدة؛ جائحة كوفيد 19 التي غزت قطر، إذ لفتت النظر إلى ظروف عيش العمّال السيئة، حيث يتكدّس عشرات الآلاف منهم في معسكر قرب الدوحة ويتقاسمون غرفا ضيقة كما يتقاسمون المطابخ والحمامات بشكل جعلهم عرضة للإصابة بفيروس كورونا المستجد أكثر من سائر سكّان الإمارة.
ومع تسارع انتشار الوباء فيها، أطلقت منظمة العفو الدولية تحذيرا من تعريض الحكومة القطرية للآلاف من العمال والمهاجرين في المنطقة الصناعية بالعاصمة الدوحة لخطر الإصابة بالوباء.
وأشارت المنظمة الحقوقية إلى إقدام السلطات القطرية على إغلاق المنطقة التي تؤوي الآلاف من العمال ما جعلهم محاصرين في ظروف مهيأة لانتشار الوباء في أوساطهم.
ومع تزايد الضغوط الدولية وتقارير المنظمات الدولية، وعدت وتعد الدوحة بتسوية وضعية العمال الوافدين لإسكات الانتقادات عبر الترويج إعلاميا لإصلاحات في نظام الكفالة وتحسين ظروف عمال منشآت المونديال، لكنها بقيت وتبقى حبرا على ورق.