أصدر حاكم ولاية البحر الأحمر السودانية قرارا بفرض حظر التجوال الشامل في مدينة بورتسودان - المنفذ البحري الدولي الرئيسي للسودان - وذلك بعد سقوط أكثر من 25 قتيلا وقرابة ال 90 جريحا في اشتباكات قبلية دموية شهدتها المدينة.
ولا تنفصل أحداث العنف الحالية التي تشهدها مدينة بورتسودان يومي الاثنين والثلاثاء، عن أحداث وصراعات قبلية مركبة في العديد من مناطق السودان الأخرى.
فقد اندلعت الشهر الماضي أحداث مشابهة في إقليم دارفور راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى من المدنيين، وتواصلت الأحداث خلال الأسبوعين الماضيين لتشمل مناطق في جنوب كردفان وشرق السودان، وضربت منطقة حلفا الجديدة.
وورثت الحكومة الانتقالية التي تسلمت السلطة في أعقاب إطاحة نظام المخلوع عمر البشير في أبريل 2019، مشكلات تأريخية أزمت واقع الحياة في معظم مناطق السودان، وعلى رأسها النزاعات القبلية التي أججها النظام السابق وتأزمت أكثر نتاج هجرات بشرية كبيرة في الداخل السوداني أحدثت صراعات حول الأرض.
ونقلت وكالة السودان للأنباء عن صديق تاور، عضو مجلس السيادة السوداني، القول إن سياسات النظام البائد في الحكم والإدارة أسهمت في زرع بذور الفتنة بين مختلف المكونات السودانية، مشيرا إلى أسباب أخرى متعلقة بإنهيار مؤسسات الدولة الخدمية للمواطنين، مما خلق نوعا من الروح التنافسية في الحصول على الخدمات الأساسية.
ويرى تاور أن هذا الوضع أوجد أرضية لأصحاب الأجندة السلبية واستغلاله في إثارة التوترات، ومن بين الأسباب، حسب ما ذكر تاور، وجود شعور عام بالإحباط بين سكان الولايات نتيجة لتوقعاتهم العالية من الثورة والواقع الذي ظل قائما في ما بعد الثورة.
ويحذر مراقبون من أن إضاعة الفرصة الحالية المواتية لتحقيق السلام في السودان يمكن أن تتسبب في المزيد من المعاناة لهذا البلد الذي عاش حروبا أهلية استمرت 60 عاما.
فمنذ نهاية العقد الخامس من القرن الماضي، ظل السودان يعيش حروبا أهلية حصدت أرواح نحو 4 ملايين شخص وأجبرت أكثر من 10 ملايين على النزوح الداخلي هربا من الموت أو اللجوء إلى بلدان أخرى بحثا عن الأمان والاستقرار.
ورغم انحسار الحرب منذ 1955 في جنوب السودان الذي انفصل وفقا لمقررات مؤتمر نيفاشا وكون دولته المستقلة في عام 2011، إلا أن نطاقها الجغرافي بدأ في الاتساع مطلع الألفية الحالية ليشمل مناطق عديدة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، مما أدى إلى إهدار كم ضخم من الموارد وتسبب في خسائر مادية مباشرة وغير مباشرة تقدر بأكثر من 600 مليار دولار إضافة إلى خلق حالة من الغبن الاجتماعي.
وانطلقت في جوبا عاصمة جنوب السودان في نوفمبر 2019 مفاوضات بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة لكنها لم تتمكن حتى الآن من التوصل إلى اتفاق نهائي في ظل غياب فصيل رئيسي في دارفور وهو حركة عبدالواحد محمد نور ووجود تبايات كبيرة في الرؤى بين الوفد الحكومي والحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو التي تريد اتفاقا صريحا على علمانية الدولة.
ورغم التقدم النسبي المحرز في بعض الجوانب مثل وقف العدائيات وفتح المسارات الإنسانية والحكم الإقليمي، إلا أن هنالك تباينات واضحة في مساري الترتيبات الأمنية واقتسام الثروة والسلطة.