تسعى حركة النهضة التونسية للضغط على وزير الداخلية، هشام المشيشي، المكلف بتشكيل الحكومة، في سبيل أن تضمن لها مكانا في الحكومة الجديدة.
وفي هذا السياق، قال رئيس الحركة، راشد الغنوشي، إنه "من غير المقبول أن يقع إقصاء الحزب الأول والثاني منها"، معتبرا أن "التفكير في إقصاء النهضة وحزب قلب تونس أمر خطير".
وأطلق الغنوشي، خلال اجتماع حزبي الأربعاء، تهديدات قال فيها إن سيكون هناك "خطر بعدم سداد أجور الموظفين وتوقف الخدمات العامة كالكهرباء والماء الصالح للشرب"، بسبب ما اعتبرها "ثقافة الإقصاء".
وبالرغم من أن الرد على الغنوشي قد جاء على لسان محافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي، الخميس، الذي أكد أن "الدولة قادرة على سداد الرواتب وستواصل الخدمات العامة بنفس النسق"، فإن هذه التهديدات الضمنية، تأتي في أعقاب، بروز العديد من الأصوات السياسية المطالبة بتشكيل حكومة دون حركة النهضة، باعتبارها أحد عوامل تأزيم المشهد السياسي منذ عام 2011.
وكانت الكتلة الديمقراطية داخل البرلمان، قد طلبت من رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي، "تكوين حكومة دون حركة النهضة".
وقال عضو الكتلة وأمين عام حركة الشعب (القومية)، زهير المغزاوي، الثلاثاء، في تصريحات صحفية: "أكدت للمشيشي أنه يمكن تكوين حكومة دون حركة النهضة، لأن النهضة تحصلت على الأغلبية بالديمقراطية، لكنها حركة لا تؤمن بالديمقراطية، فهي لا تريد أن تحكم مع الناس بل أن تحكم بالناس".
الخوف والمغانم
وتعليقا على تشبث حركة النهضة بالتواجد في الحكومة الجديدة، يقول الكاتب الصحفي، شريف الزيتوني، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز": "لا تبدو النهضة راغبة في الخروج من الحكم بعد عشر سنوات من اكتشاف مغرياتها ورغم كل المشاكل التي كانت سببا رئيسيا فيها، ورغم رفض أغلب الطيف السياسي لها".
وتابع: "ما زالت ترسل رسائل الرغبة في التموقع، فهي تتحجج بنتائج الانتخابات باعتبارها الحزب صاحب العدد الأكثر من النواب برلمانيا، لكن الحقيقة أنها فهمت أن في السلطة مغانم كثيرة، مثل وضع أعضائها في مراكز مهمة في الإدارة التونسية، وتشغيل الكثير من أنصارها، في إطار مشروع (التمكين)، وكل ذلك سيذهب عنها لو غادرت الحكم".
وأضاف الزيتوني: "جانب آخر لا يقل أهمية عن مغانم السلطة بالنسبة إلى حركة النهضة، هو تخوفها من الملفات الكثيرة التي قد تخرج بمجرد مغادرتها للحكم".
واستطرد قائلا إن قضايا الاغتيالات السياسية والعثرات الأمنية التي حصلت في سنوات حكمها، إلى جانب ملفات الفساد الكثيرة التي تزامنت مع وجودها في الحكم، من شأنها أن تجر العديد من قياداتها إلى المحاكم، معتبرا أن هذا ما تسعى بكل جهدها لتجنبه "وإن كان ذلك عبر تنازلات لمنتقديها".
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد أكد، في 25 يوليو الماضي، حرصه على كشف حقيقة اغتيال المعارضين محمد البراهمي وشكري بلعيد عام 2013.
وأفاد بيان صادر عن الرئاسة أن سعيّد شدد على أن "دماء الشهداء لن تذهب هباء"، مجددا "حرصه على تطبيق القانون على الجميع".
وأضاف: "حريص على أن توفر الدولة كل إمكانياتها لكشف الحقيقة الكاملة لاغتيال البراهمي وبلعيد، وغيرهما من شهداء الوطن".
مأزق وانقسام
وكشفت مجلة "بزنس نيوز" المحلية في تقرير لها، الخميس، نقلا عن قيادي في حركة النهضة قوله "إن لقاء الوفد الممثل للحركة مع المشيشي لم يكن حاسما ولم يجب على العديد من الأسئلة المطروحة من قبل الحركة، وخلف انطباعات سلبية في أغلبها".
وأشار إلى أن النهضة "تتوقع أن يضعها المشيشي أمام الأمر الواقع ويرسل إليها قائمة الوزراء المقترحين، ليضعها أمام خيار من اثنين.. إما القبول وإما الرفض".
وأضاف المصدر نفسه، أن النهضة وضعت هذا الاحتمال على طاولة النقاش، وسيكون مجلس شورى الحركة هو الفيصل، رغم أن قيادات الحركة "في حالة انقسام بين شق يرى ضرورة المسايرة والموافقة ثم التعامل مع الحكومة حسب ما يفرضه الواقع، وشق آخر يرى أن التعامل بهذا الأسلوب مع الحركة يعتبر إهانة للحزب الفائز بالانتخابات لا يمكن السكوت عنها، معتبرا أن خيار التوجه نحو انتخابات سابقة لأوانها هو الحل الأنسب للحزب".
من جانبه، يرى الزيتوني أن النهضة تناور في علاقة بالحكومة الجديدة عبر طريقتين، ''الأولى أن تجعل خصومها يقبلون مشاركتها الحكم مرة أخرى، وهذا غير مستبعد بسبب حسابات سياسية، باعتبار أن فكرة إعادة الانتخابات التشريعية غير مرغوبة من الجميع".
أما الطريقة الثانية، فهي "تكوين حزام برلماني يرفض التصويت للحكومة الجديدة".
ويتابع: "هذا حزام مكشوف وساهم في إفشال سحب الثقة من الغنوشي، يضم كلا من النهضة كطرف رئيسي، إلى جانب ائتلاف الكرامة المقرب منها، بالإضافة إلى حزب قلب تونس الذي يبدو أنه اختار التطبيع التام مع حركة النهضة في أغلب الملفات، خاصة التي تطرح جدلا داخل البرلمان".
وكان المشيشي قد أكد في وقت سابق، أن "الحكومة الجديدة ستكون حكومة كل التونسيين على اختلاف فئاتهم، وتسعى إلى تحقيق تطلعاتهم وتركز على الملف الاقتصادي والاجتماعي"، وهي الملفات التي عجزت جميع الحكومات التي تم تشكيلها منذ احتجاجات 2011، عن تجاوزها.
وختم الزيتوني حديثه، بالإشارة إلى أن حركة النهضة "تجد نفسها في حرج كبير وتخوف من إزاحتها بالديمقراطية، التي كانت دائما ترفعها شعارا في وجه خصومها".
وأكد أن "التحذير الأخير حول سحب الثقة من رئيسها، من على رأس البرلمان، رغم فشله النسبي، كان جرس إنذار بأنها لم تعد في موقع المناور القادر على التصرف في اللعبة، كما أن خلافها مع رئيس الدولة يزيد من دائرة رافضيها".