أضاحي العيد في مصر هذا العام تميزها نكهة "الوحدة الوطنية"، فهذا الطقس الديني لم يعد مقتصرا على المسلمين فقط، بل سيشمل المشهد مساهمة قساوسة في شراء وتوزيع لحوم الأضاحي؛ لسد احتياج الفقير سواء مسلم أو مسيحي، في صورة لافتة لـ"العيش المشترك".
الأنبا إيلاريون أسقف مطرانية الأقباط الأرثوذكس بالبحر الأحمر قرر ومعه عدد كبير من القساوسة والأقباط المشاركة في مشروع وزارة الأوقاف المصرية لـ"صكوك الأضاحي" الذي تطلقه الوزارة للعام الخامس على التوالي.
ويعتبر الأنبا إيلاريون في حديث خاص لـ"سكاي نيوز عربية" أن مشروع الأوقاف "فرصة لإطعام الجائع وإكرامه سواء مسلم أو مسيحي".
ويرجع مشاركة الأقباط الواسعة بالمشروع هذا العام إلى "اقتراب المسافات فيما بيننا من عام لآخر، واتفاقنا جميعا على عمل واحد وهو حب الجميع".
وقرر الأنبا إيلاريون ومعه قساوسة، ليس فقط شراء صكوك الأضاحي، بل أيضا توزيعها جنبا إلى جنب مع قيادات بوزارة الأوقاف وهو ما اعتبره مسؤول بالأوقاف تعزيزا لـ"مشهد وطني يبرز أسمى مفاهيم التسامح الديني والرقي الإنساني".
وأطلقت الأوقاف المصرية مشروع صكوك الأضاحي للعام الخامس على التوالي، بمبلغ 1800 جنيه للصك الواحد، مع تحويل المبلغ بالكامل إلى لحوم أضاحي دون أي مصروفات إدارية أو إعلانية. ويستهدف المشروع إيصال لحوم الأضاحي للمحتاجين في منازلهم.
صكوك الأضاحي.. المسافات تقترب
وأعلن الأنبا إيلاريون عن المساهمة في مشروع الأضاحي بمبلغ 10 آلاف جنيه بواقع 5 صكوك، وذلك بمقر مديرية أوقاف البحر الأحمر، بمدينة الغردقة.
ويوضح بسعادة:"فور علمي به قررت المساهمة واشتريت صكوك بنحو 10 آلاف جنيه فى عمل أقدمه لأولادي المصريين داخل البحر الأحمر، فوفقا للوصية الربانية حين تشترك في إطعام الجائع فأنت تشترك في الحفاظ على كرامته".
ولم تقتصر مشاركة أسقف البحر الأحمر عند حد شراء صكوك الأضاحي، بل سوف تمتد إلى توزيع لحوم الأضاحي بنفسه على أهالي المحافظة خلال عيد الاضحي المبارك، موضحا أن وكيل وزارة الأوقاف بالمحافظة أبلغه بذلك "الأمر الذي يحمل سعادة كبيرة لأنه تجسيد حقيقي لمبدأ المواطنة".
واعتبر مشاركة الكنيسة فى صكوك الأضاحي أمرا "جيد جدا"، ولم يخف أن :"المشاركة هذا العام في المشروع أكثر كثافة من الأعوام السابقة فالمسافات بيننا تقترب من عام لأخر، وكلنا متفقين على عمل واحد وهو حب الجميع".
وتابع الأنبا إيلاريون قائلا:" المسلمون والأقباط إخوة في وطن واحد ومشاركتنا لبعضهم البعض شيء طبيعي في مصر".
يذكر أن الأنبا إيلاريون رُسم أسقفاً لمطرانية الأقباط الأرثوذكس بالبحر الأحمر خلفا للأنبا ثاؤفيلوس في شهر يوليو من عام 2019، ليصبح الأسقف الثاني في تاريخ مطرانية البحر الأحمر.
ويؤكد أنه عندما تسلم خدمته قرر أن يقدم مكانا أسماه "مشتهى الأمم" يخدم فيه الأقباط والمسلمين قائلا:"قررت أن يكون المكان مسؤولا عن كل إنسان يسكن جواره وليس المسيحي فقط".
كما أبرز أن الكنيسة أوصته بخدمة الطقوس الكنسية الموجهه لأولاد البحر الأحمر من طائفة المسيحيين الأرثوذوكس، "لكنني كإنسان لا يمكن أن أربط يدي وأمنعها عن جيراني وإخوتي، حتى المسلمين منهم.. وأنا هنا موجود أبا للكل، وبقولهم أنا بحبكم ومعاكم".
ملحمة قساوسة المنيا
ومن البحر الأحمر، إلى محافظة المنيا في صعيد مصر، قام عدد من القساوسة ببعض مراكز المحافظة خلال اليومين الماضيين بشراء صكوك الأضاحي، وفقا لما أعلنته مديرية أوقاف المنيا.
وفي بيان لها، وجهت الأوقاف الشكر للقساوسة والأقباط من أبناء المحافظة الذين ساهموا فى هذا المشروع واصفين ذلك بـ"ملحمة تعزف على أوتار الوحدة الوطنية".
واوضح البيان أن المديرية استلمت حتى الآن 520 صكا من كافة الإدارات بقرى ومدن المحافظة، إلى جانب بعض الأفراد الذين قدموا صكوكا، بينهم 5 قساوسة.
كما شاركت الكنيسة الإنجيلية في مشروع صكوك وزارة الأوقاف، وجاء في بيان للوزارة أن الهيئة القبطية الإنجيلية برئاسة القس الدكتور أندريه زكي شاركت بمبلغ مئة ألف جنيه لحساب صكوك أضاحي الأوقاف تم دفعه إلكترونيا لحساب المشروع.
"مشهد وطني يبرز أسمى مفاهيم التسامح الديني والرقي الإنساني، وترسيخ لمبدأ العيش الإنساني المشترك"، هكذا يصف الشيخ جابر طايع رئيس القطاع الديني، مشاركة قساوسة وكنائس في مشروع الوزارة لصكوك الأضاحي.
وقال طايع لـ"سكاي نيوز عربية" إن كنائس مصرية تطوعت للمشاركة فى المشروع، علاوة على العديد من الأساقفة الذين يتبرعون بأنفسهم لهذا المشروع وهو دليل على المصرية الخالصة البعيدة عن التعصب، وتحقق التكافل الاجتماعي، وترسيخ مبدأ المواطنة بين جميع المصريين..لحوم الأضاحي توزع على الجميع، دون تفرقة بين مسلم وقبطي".
قطع الطريق على "الإخوان"
وعلاوة على ترسيخه لمبدأ المواطنة، نجح مشروع أضاحي الأوقاف في قطع الطريق أمام الإخوان والجماعات المتطرفة التي كانت تعمل على استغلال حاجة البسطاء من أجل تحقيق أغراض سياسية، لخدمة أجندات أيدلوجية معينة، وفقا لطايع.
واستعرض رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف طبيعة مشروع صكوك الأضاحي، قائلا: "يجرى مشروع وزارة الأوقاف للعام الخامس على التوالى، وكانت حصيلة عامه الأول 34 مليون جنيه، والعام الذي يليه 48 مليون، والثالث 65 مليون، والعام الرابع 105 ملايين، ونستهدف في هذا العام ذات المبلغ أو أكثر".
ونوه طايع أن حصيلة مشروع صكوك الأضاحي بلغ خلال الأسبوعين الماضيين فقط 30 مليون جنية كسيولة نقدية، على الرغم من جائحة فيروس كورونا المستجد.
واعتبر أن مردود المشروع إيجابي جدا؛ وهو ما اتضح من مشاركة المواطنين الكبيرة، التي عكست الثقة في الحكومة على حد وصفه، موضحا أن جميع المبالغ المجمعة تحول إلى رؤوس أضاحي بدون خصم أي جنيه واحد كمصروفات إعلانية، أو إدارية.
وقال وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة، في بيان اليوم إن ما تشهده الوزارة من إقبال كبير على شراء صكوك أضاحي الأوقاف، يؤكد كرم الشعب المصري العظيم وروح التكافل بين أبنائه.
وحمل مشروع صكوك الأضاحي، إشادات هيئات برلمانية مصرية، واعتبرت الهيئة البرلمانية لحزب المؤتمر إن "المشروع القومي الكبير الذى تنفذه وزارة الأوقاف ضربه في مقتل لجماعة الإخوان (التي تصنفها الدولة كجماعة إرهابية)، وجميع التيارات والجماعات والتنظيمات الإرهابية والتكفيرية التى خرجت من رحمها".
ووصف النائب أحمد حلمى الشريف، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المؤتمر، ونائب رئيس ائتلاف دعم مصر صاحب الأغلبية النيابية إن المشروع لم يقض على أحلام الارهابيين فقط، ولكنه جسد مبادئ التكافل المجتمعي، ووحدة وتماسك المصريين فى أروع صورها.
ووجه الشريف تحية للأقباط قائلا:"أثبتوا للعالم أن مبدأ المواطنة أصبح من المبادئ الراسخة فى قلوب وعقول كل المصريين".