خاض المغرب، خلال الأشهر الماضية، تجربة غير مسبوقة في مجال التعليم، باعتماده نظام الدراسة عن بعد، في سياق إجراءات الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد.
وفي منتصف مارس الماضي، أعلنت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي في المغرب تعليق الدراسة الحضورية تفاديا لتفشي "كوفيد-19"، قائلة إن الأمر لا يتعلق بعطلة استثنائية وإنما تعويض الدروس الحضورية بأخرى عن بعد.
ومنذ ذلك الحين، بدأ الطلاب والطالبات بمختلف المستويات تلقي الدروس عبر منصات رقمية وباستعمال تطبيقات التواصل مثل "واتساب" و"زوم" و"سكايب".
وككل التجارب الفتية، واجهت عملية التدريس عن بعد انتقادات مختلفة، مثل انعدام تكافؤ الفرص بين التلاميذ، لاسيما الذين يتحدرون من طبقة اجتماعية هشة، وضعف سرعة الإنترنت وغياب البنية التحتية الإلكترونية.
في المقابل، يقول المؤيدون إن النظام الجديد ساهم في استمرار عملية التعليم وتوفير الوقت ومصاريف الدراسة التقليدية، كما أنه فرصة مواتية لتنشئة جيل متمرس بالتكنولوجيا الرقمية.
وبين مؤيد ومعارض، كشف وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، سعيد أمزازي، الاثنين، أن التعليم عن بعد أسهم في إعادة بناء وتحسين الصورة الجماعية للمدرسة والمدرس، وإحداث قنوات التواصل مباشرة بين المجتمع والمدرسة والمدرسين.
وأوضح أمزازي، خلال حديثه في جلسة الأسئلة الشفوية حول المنظومة التربوية بعد أزمة كورونا، أن "الارتياح العام حول هذه العملية بلغ 78 في المئة".
وتابع "التعليم عن بعد عزز الشعور بالمسؤولية وثقافة التعلم الذاتي للمتعلمين"، مشيرا إلى أن هذه "التجربة مشرفة وتظل قابلة للتطبيق، رغم الظروف الصعبة التي رافقتها".
من جهته، أوضح عمر بن عمي، الأستاذ بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لسوس ماسة، أن التجربة الحديثة عرفت في بداياتها "بعض الصعوبات والإكراهات، سواء من حيث تحقيق أهدافها المتمثلة في الاستمرارية البيداغوجية أو في التواصل مع الطلبة".
وأضاف بن عمي في تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية "كانت هناك إكراهات تقنية مرتبطة بتوفير الوسائل اللازمة لاسيما في المناطق النائية في المغرب العميق".
وتابع "لكن المجهودات التي بذلتها الحكومة من خلال الإجراءات التي اتخذتها الوزارة الوصية استطاعت أن تحل الكثير من هذه المشكلات لدى شريحة كبيرة من الطلبة".
ووصف بن عمي تجربته الشخصية بـ"الناجحة، مضيفا "لاحظنا انخراطا سهلا للطلبة، بفضل مجهودات كل أطقم المركز الجهوي سوس ماسة، حيث تم تأسيس منصة رقمية خاصة سهلت عملية الولوج لمختلف المواد الرقمية، إلى جانب اعتماد وسائل التواصل مثل واتساب والبريد الإلكتروني".
وعن مستقبل هذه التجربة، دعا الأستاذ عمر إلى "بذل المزيد من الجهود للرقي بهذا النوع من التعليم والوصول به إلى مستوى يكون فيه أكثر نجاعة".
فتيحة اليملاحي، أستاذة التعليم الابتدائي، كانت لها وجهة النظر نفسها، إذ أبدت سعادتها بالانتقال إلى العالم الرقمي في مجال التدريس، قائلة إن هذا أمر يواكب العصر ويوائم التطور التقني.
وأضافت "بعد انطلاق التجربة، لمسنا تجاوبا وإقبالا كبيرين من التلاميذ، رغم أننا لم نخضع لأي تكوين مسبق في هذا الميدان".
وبخصوص المصاعب التي واجهتها، شددت الأستاذة اليملاحي على أن "المشاكل التقنية كانت الأبرز، مثل ضعف الإنترنت وتناوب الإخوة على هاتف أو حاسوب واحد، أو غياب أولياء أمورهم عن المنزل مما يعرقل عملية التنسيق".
وأردفت قائلة "حين أعلنت الوزارة في مايو الماضي تمديد إغلاق المدارس وإلغاء الامتحانات باستثناء اختبارات البكالوريا، لاحظنا انسحاب عدد كبير من التلاميذ وتراخي بعضهم".
تجربة جديدة ومفيدة
موقع "سكاي نيوز عربية" استقى أيضا رأي الطلبة، حيث كشفت نهيلة بنعدي، طالبة ماجستير في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن لتجربة التعليم عن بعد إيجابيات وسلبيات.
وقالت نهيلة، المتخصصة في التسويق، إن الدراسة من المنزل تجعلك تركز بشكل أكبر على اعتبار أنك في وضعية مريحة، مشيرة إلى ميزة استفادت منها خلال هذه الفترة، وتتمثل في إمكانية الاطلاع على الدروس أكثر من مرة.
وأضافت "لكن واجهنا بعض العقبات، مثل ضعف الإنترنت.. كما أن جودة عملية التواصل تتحقق حين يكون الأساتذة والطلبة في قاعة واحدة، عكس المسافات الفارقة بينهم حاليا".
وختمت بالقول "عموما، كانت تجربة جديدة ومفيدة.. دخلنا عالم التكنولوجيا وهذا أمر مهم جدا".
"عذّب الأطفال"
التوتر النفسي والتعلم لا يلتقيان، فتحقيق القدرة على اكتساب معارف جديدة يتطلب صفاء ذهنيا وتركيزا عاليا، إلا أن عددا من الأسر عبرت عن قلقها من تأثر نفسي طال أبناءها خلال الفترة الماضية بسبب تداعيات الحجر الصحي.
في هذا الصدد، ذكر الدكتور جواد مبروكي، أخصائي الأمراض النفسية والعصبية، أن للتعليم عن بعد سلبيات كثيرة، قائلا "كنت أفضل اللجوء إلى سنة بيضاء".
وأضاف مبروكي في حوار مع "سكاي نيوز عربية": "الدراسة عن بعد تجعل التلميذ بعيدا عن المجتمع وتصعّب اندماجه مع الطلبة، مما ينعكس سلبا على نفسيته.. وفي حالة المغرب، فإن غياب الخبرة والتجربة في هذا المجال أثر على مردودية العملية".
وردا على سؤالنا بشأن أثر هذا النظام على نفسية الطالب(ة)، أجاب الدكتور جواد بالقول "التعليم عن بعد أدى إلى نشوب حروب داخل المنازل، خصوصا وسط تلاميذ المرحلة الابتدائية، الذين لا يملكون القدرة العقلية على فهم ما يجري".
وتابع "ليس بمستطاع التلميذ في هذه المرحلة استيعاب ما هو فيروس كورونا ولماذا لجأنا إلى الحجز في المنازل ولماذا الدراسة عن بعد".
واستطرد "مهمة أولياء الأمور تعقدت، حيث باتوا مجبرين على حث أبنائهم على متابعة الدروس، مما أدى إلى تعميق المشاكل بينهم.. مع العلم أن التعليم بصفة عامة يعرقل العلاقة بين الطفل ووالديه".
وختم حديثه بالقول "التعليم عن بعد عذب الأطفال وهذا أمر واضح وسنرى عواقبه وآثاره بعد سنوات".
وعلى الرغم من التباين في تقييم هذه التجربة، إلا أن هذا "الحل الاضطراري" أبقى عجلة التعليم متواصلة، وقد يتيح حلولا أسهل في المستقبل الذي باتت التكنولوجيا بوابته الوحيدة.