تزامنا مع الزيارة المفاجئة التي بدأها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" إلى أثيوبيا، أمس الأربعاء ، قال مراقبون إن التوترات الحدودية وعمليات تهريب البضائع والسلع وقضية سد النهضة هي أبرز الملفات التي ستتصدر أجندة العلاقات السودانية الأثيوبية خلال الفترة المقبلة.
وتأتي هذه الزيارة في أعقاب هجمات مسلحة انطلقت في الأسبوع الأخير من شهر مايو الماضي، من داخل الأراضي الإثيوبية باتجاه الأراضي السودانية، واستهدفت عددا من المشاريع الزراعية.
توترات حدودية
شهدت الأسابيع القليلة الماضية حراكا مكثفا على ضوء الهجمات التي شنتها مجموعات أثيوبية على مناطق حدودية في التاسع والعشرين من مايو، أسفرت عن مقتل ضابط سوداني برتبة نقيب.
وقالت الخرطوم في بيان رسمي إن قوة من الميليشيات الإثيوبية توغلت داخل الأراضي السودانية واعتدت على بعض المشاريع الزراعية بمنطقة بركة نوريت وقرية الفرسان، واتهم الجيش السوداني، في بيانه، الجيش الإثيوبي بمساندة الميليشيات والمشاركة في الاشتباكات.
وتكررت هذه الحوادث كثيرا خلال السنوات الماضية، خصوصا مع بدء موسم الخريف حيث يعمل نحو 1700 مزارع أثيوبي في مناطق داخل الأراضي السودانية المتاخمة للحدود الأثيوبية.
غير أن الجانبين أكدا على ضرورة احتواء الموقف بالطرق التوافقية، حيث قال رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد أمام برلمان بلاده إن الحادثة لن تؤثر على علاقات البلدين.
من جانبها أكدت الخرطوم أنها اتفقت مع أديس أبابا على ترسيم الحدود بينهما للحد من دخول المزارعين الإثيوبيين إلى أراضيها، ومن المتوقع أن تبدأ اللجنة المشتركة في وضع العلامات المحددة للحدود في أكتوبر المقبل على أن تنتهي من عملها في مارس 2021.
ملف سد النهضة
تختلف وجهات النظر السودانية حول مساوئ أو مميزات مشروع سد النهضة الذي تبنيه أثيوبيا على بعد 15 كيلومترا من حدود البلدين، والذي تسبب في توتر كبير بين أثيوبيا ومصر بسبب مخاوف فنية وقانونية كبيرة أثارتها القاهرة، واشتركت الخرطوم في الكثير منها.
وبعد تعثر المفاوضات وتبادل الاتهامات بين القاهرة وأديس أبابا، سعى رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك لنزع فتيل التوتر ونجح في إقناع الطرفين بالعودة إلى طاولة المفاوضات، لكن الجولات الأخيرة، وآخرها الأربعاء، انتهت بخلافات قانونية وفنية كبيرة حسبما أعلنت كل من الخرطوم والقاهرة التي اتهمت أديس أبابا بالتعنت ومحاولة فرض الأمر الواقع.
وفي هذا السياق يتوقع رئيس الحزب الاتحادي الموحد والقيادي في قوى الحرية والتغيير، محمد عصمت يحيى، أن تواصل الخرطوم مساعيها للتوصل إلى صيغة مقبولة لكل الأطراف مستخدمة في ذلك عمق علاقات الخرطوم مع كل من القاهرة وأديس أبابا، رغم الطبيعة المعقدة للأزمة والتباعد الواضح في الكثير من المواقف.
تهريب البضائع
بوصفه رئيسا للجنة الاقتصادية، تعهد حميدتي، قبيل ساعات قليلة من مغادرته إلى أديس أبابا، بالقضاء على ظاهرة تهريب البضائع السودانية إلى البلدان المجاورة.
وتشهد الأسواق السودانية ارتفاعا كبيرا في أسعار السلع الأساسية لأسباب يعزوها البعض إلى ظاهرة التهريب وانخفاض قيمة الجنيه السوداني.
وأصبح الحديث الأبرز في الشارع السوداني هو الشح الواضح في بعض السلع والارتفاع الكبير في معدلات التضخم التي فاقت 100 في المئة في بلد يعيش فيه أكثر من نصف عدد السكان، البالغ عددهم 40 مليون نسمة، تحت خط الفقر.
ويربط بعض المراقبين بين زيارة حميدتي الحالية لأثيوبيا ووعده بكبح جماح التهريب، نظرا لأن طول الحدود المشتركة مع أثيوبيا يسهل أنشطة تهريب كميات ضخمة من السلع الأساسية مثل الدقيق والمواد البترولية التي تكلف الحكومة السودانية دعما سنويا يقدر بمليارات الدولارات.
ويرى مدير مركز دراسات السلام والمتخصص في الشؤون الأفريقية، الأكاديمي والباحث عباس التجاني، أن الحكومة السودانية ربما تسعى لإيجاد شكل من أشكال التعاون مع نظيرتها الأثيوبية، إضافة إلى التعاون في مجالات الهجرة العابرة للحدود، حيث يقدر عدد الأثيوبيين الذين يعيشون في السودان بنحو 3 ملايين.
ويشير التجاني إلى نقطة جوهرية تتمثل في العوامل التي يمكن أن تساعد في التوصل لحلول سلسة للمشكلات المتعلقة بالملفات المذكورة.
ومن أهم تلك العوامل من وجهة نظر التجاني طبيعة الدور الذي لعبه رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، في حل الأزمة التي نشبت بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري في أعقاب سقوط نظام عمر البشير في أبريل 2019 مما أسهم في حصوله على جائزة نوبل للسلام في أواخر العام نفسه، إضافة إلى أهمية الحرص على سلامة البلدين في ظل وجود أكثر من 800 مستثمر سوداني في أديس أبابا.