في حين استقبل العديد من العاملين في القطاع الحكومي خطوة بدء التطبيق الفعلي لأكبر زيادة في الرواتب في تاريخ السودان بلغت في حدها الأدنى 500 بالمئة، لكن الكثير من المراقبين وشباب الثورة ينظرون إلى الأمر برؤية مختلفة.
فبالرغم من التأكيد على ضرورة الوضع الحالي المتردي للأجور فإنهم يرون أنه وفيما عدا قطاعي الصحة والتعليم فإن 70 في المئة من الموظفين في المؤسسات الحكومية المشمولة بقرار الزيادة هم أصلا من عناصر الإخوان الذين يحاربون الثورة حاليا، والمعينين وفقا لأسس الانتماء لحزب المؤتمر الوطني المحلول.
وفي الجانب الآخر يطرح خبراء سؤالا مهما حول الطريقة التي سيتم بها تمويل هذه الزيادة الضخمة، وكيفية ضمان فاعليتها في ظل مخاطر التضخم الذي بلغ في أبريل 99 في المئة وهو ما يهدد بتقليص الأثر المنتظر من الزيادة.
مسارات عديدة
وبدا إبراهيم البدوي وزير المالية والاقتصاد الوطني في الحكومة الانتقالية واثقا من جدوى الخطوة، وأكد في تصريحات لتلفزيون السودان أن الحكومة تعمل على عدة مسارات من أجل تحسين حياة المواطن، وضبط الأسواق وأسعار صرف الجنيه السوداني، والارتقاء بالاقتصاد الكلي رغم المشكلات الكبيرة التي ورثتها حكومة الثورة من النظام البائد.
وقال البدوي إن الحكومة ستبدأ في النصف الثاني من العام الحالي تطبيق أكبر برنامج دعم اجتماعي يشمل 70 بالمئة من سكان السودان في الريف والحضر.
وأشار الوزير السوداني إلى أن هذه الآلية ستطبق وفقا لبرنامج رقمي مدروس ومتطور، مؤكدا أنها ستنعكس إيجابا على الاستقرار الأسري ومجمل الحياة المعيشية والإنتاجية.
تفاؤل حذر
وقال بهاء الحاج وهو طبيب في مستشفى الراجحي الحكومي لـ"سكاي نيوز عربية" إن الزيادة الجديدة خطوة في الاتجاه الصحيح نحو توفير أسباب الاستقرار للكوادر الطبية والمهنية، ويمكن أن تشكل مؤشرا واعدا لوقف الهجرة الخطيرة التي تعاني منها البلاد خصوصا في القطاع الصحي.
وفي ذات السياق، أشار م. ع وهو موظف في أحد الدواوين الحكومية بعد أن تسلم راتبه الجديد مضاعفا أكثر من مرات عن شعوره بأن العدالة بدأت تأخذ طريقها للموظف السوداني الذي عانى كثيرا من شظف العيش لسنوات طويلة.
شعور مختلط
وردا على سؤال من "سكاي نيوز عربية" عن الآثار المتوقعة لهذه الخطوة الغير مسبوقة، قال الخبير الاقتصادي محمد شيخون إن المؤكد أن زيادة بهذا الحجم ستحدث استقرارا أسريا واجتماعيا للعاملين في الدولة، الأمر الذي سيحفز على تحسين الأداء. وفي الجانب الآخر طالب شيخون بضرورة اتخاذ المزيد من الخطوات لضبط الأسواق ووقف جموح التضخم.
خطوات استباقية
ينظر وليد الريح عضو تجمع المهنيين إلى الخطوة من عدة زوايا، ففي حين يؤكد على ضرورة معالجة الوضع المتردي لأجور العاملين في الدولة، إلا أنه يرى أن هنالك العديد من الخطوات التي كان ينبغي أن تسبق خطوة إقرار الزيادة الحالية. ووفقا للريح فإن من المهم ابتداء إعادة هيكلة الخدمة المدنية التي يرى أنها مترهلة إلى أبعد حد، إضافة إلى تحديد آليات محكمة وواضحة لتمويل زيادة الإجور ووضع الأسس اللازمة لكبح جماح التضخم للحفاظ على التأثير المنتظر من الزيادة.
ويشير الريح إلى أن وزير المالية وفي سياق شرحه للطريقة التي سيتم بها تمويل الزيادة تحدث عن آليتين مختلفتين في مناسبتين مختلفين مما أحدث شيئا من الارتباك.
وبشأن ما ذكره وزير المالية باستخدام عائدات ما استردته لجنة إزالة التمكين من الأصول المنهوبة من قبل عناصر النظام السابق، يشدد الريح على أن هذه الأصول وإن قدرت بنحو 158 تريليون جنيه تظل أصول اسمية وتحتاج عملية تسييلها وإدارتها للمزيد من الإجراءات الإدارية.
وينبه الريح إلى ضرورة إنشاء الصندوق السيادي المقترح الذي يمكن أن يشكل أداة مهمة لإدارة أصول الدولة، وبالتالي المساهمة في تمويل العمليات المدرجة تحت سلطاته.
شباب مظلوم
يشير الإعلامي الشاب أحمد علي إلى أن زيادة المرتبات ليست إلا جزءا يسيرا جدا من حل أزمة مستفحلة توارثتها الثورة من النظام السابق.
ويتساءل عن الإجراءات الأخرى التي يمكن أن تحقق العدالة للعاملين في القطاع الخاص والأعمال والأنشطة الفردية، والذين يشكلون النسبة الأكبر من السكان.
ويقول علي إن الأعوام الثلاثين الماضية شهدت أكبر خرق للعدالة في مجال التوظيف حيث كانت أكثر من 90 في المئة من الوظائف باستثناء قطاعي الصحة والتعليم حكرا على منسوبي حزب المؤتمر الوطني المحلول والمنتمين له، والذين استأثروا بمعظم امتيازات الدولة دون غيرهم من أبناء الشعب.
ويبدي علي تشككه من جدوى الزيادة في ظل الارتفاع الكبير في معدلات البطالة في أوساط الشباب الذين قادوا الثورة.