وصلت مفاوضات السلام الجارية حاليا في عاصمة جنوب السودان جوبا، بين الحكومة الانتقالية السودانية والحركات المسلحة، إلى مراحل متقدمة مع بدء مناقشة الترتيبات الأمنية والوصول للعديد من التفاهمات، خاصة فيما يتعلق بالمبادئ الأساسية والمسارات الإنسانية.
وأشاع هذا التقدم أجواء من التفاؤل، بالرغم من استمرار غياب حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد.
ومع قرب المدة الزمنية المحددة من قبل لجنة الوساطة الدولية بحلول منتصف فبراير المقبل، يرى مراقبون أن الأسبوعين المقبلين سيكونان حاسمين لملف السلام في السودان.
وأبدى المراقبون تفاؤلا كبيرا بإمكانية الوصول إلى سلام دائم، خاصة في ظل الأجواء التي سادت عقب احتجاجات ديسمبر، التي أطاحت بنظام الرئيس عمر البشير، وخلقت أرضية مشتركة مهدت للتفاوض على أساس الشراكة، لإنهاء أزمات البلاد الأمنية، التي أعاقت النمو وأسقطت آلاف الضحايا في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.
تقدم ملحوظ
وأسفرت جولة التفاوض الحالية التي انطلقت في العاشر من ديسمبر، عن توقيع 9 اتفاقيات فرعية حتى الآن، شملت المسارات الخمسة، وهي دارفور والمنطقتين والشمال والوسط والشرق، رغم وجود مشكلات هيكلية تتعلق بتركيبة المسار الأخير.
وبذلت الوساطة، بقيادة دولة جنوب السودان، جهودا كبيرة من أجل تقريب وجهات النظر، متبعة أسلوب "النفس الطويل"، مدفوعة بالحاجة للوصول إلى استقرار سريع في السودان، مما سينعكس إيجابا على الأوضاع الأمنية في جنوب السودان.
وتخرط دولة جنوب السودان أيضا في مفاوضات بوساطة سودانية، لإنهاء النزاع الداخلي بين الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه رياك مشار، الذي يخضع للإقامة الجبرية في جوبا.
وأكد مشار لموقع "سكاي نيوز عربية" في حديث مقتضب "حرصه على السلام"، دون أن يخوض في أي تفاصيل، باعتبار أن وضعه الحالي لا يسمح له بالحديث.
تقدم كبير
وشهد الأسبوع الماضي تقدما كبيرا في مسار دارفور، حيث اتفقت أطراف التفاوض على آليات العدالة والإنصاف، بما في ذلك إنشاء محكمة خاصة بالانتهاكات التي ارتكبها النظام السابق في دارفور، لتنظر في جرائم الحرب والإبادة والاغتصاب.
كما ستنظر في الجرائم المتعلقة بالانتهاكات الإنسانية الناتجة عن الحرب التي اندلعت عام 2003، وتسببت في مقتل أكثر من 300 ألف شخص، وتشريد نحو 3 ملايين من سكان الإقليم، وسط تقارير دولية عن المئات من حالات الاغتصاب وحرق القرى ونهب المواشي وممتلكات السكان.
حمدوك "يذيب الجليد"
أما على مستوى المنطقتين والنيل الأزرق، فقد أحدثت زيارة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك التاريخية في التاسع من يناير لمنطقة "كاودا"، معقل الحركة الشمالية، تقدما كبيرا وأذابت "حاجزا نفسيا" استمر لعدة سنوات.
ووجدت الزيارة تجاوبا كبيرا من زعيم الحركة عبدالعزيز الحلو، وسكان المنطقة الذين أكدوا الحاجة للوصول إلى سلام دائم ينهي معاناتهم.
"احتواء" المسلحين
وتكمن أهمية الترتيبات الأمنية في أنها العنصر الأساسي لاحتواء ودمج عناصر الحركات المسلحة، الذين يقدر عددهم بنحو 80 ألف مسلح، في المنظومة الأمنية السودانية، وإنهاء معضلة "تعددية الجيوش" التي تعتبر أكبر تهديد أمني للبلاد.
ويقول الخبير الاستراتيجي، اللواء أمين مجذوب إسماعيل، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن ملف الترتيبات الأمنية يعتبر "مفتاح النجاح" لبقية أجندات المفاوضات الجارية الآن في جوبا.
ويشير إسماعيل إلى أن المواقف الحالية لأطراف التفاوض تتمثل في "موقف الحركات المسلحة التي تطالب باستيعاب قواتها ضمن إعادة هيكلة القوات المسلحة السودانية، بحيث تصبح نسبتها 60 في المئة، ومكونات القوات المسلحة 40 في المئة".
وأضاف: "فيما يرغب الطرف الحكومي في تطبيق أنظمة الأمم المتحدة والأنظمة العالمية الخاصة بإعادة الدمج والتسريح، بحيث يدمج في القوات المسلحة السودانية من تنطبق عليه شروط العمل بها وبالقوات النظامية الأخرى، ويسرح الآخرون للحياة المدنية".
ويرى إسماعيل أن مسألة استيعاب ودفع حقوق الفرقتين التاسعة والعاشرة، "ستظل عقدة أساسية في التفاوض، مما يستوجب مساعدة المجتمع الدولي والاحتكام للحالات المشابهة في البلدان التي شهدت صراعات مسلحة مماثلة".
وضع أفضل
من جانبه، أكد القيادي في الحركة الشعبية شمال، مصطفى عوض الكريم، أن زيارة حمدوك لكاودة، التي تعتبر الأولى من نوعها لمسؤول سوداني رفيع منذ بدء الحرب، "أتت بثمار كثيرة".
وأضاف أنها "أتاحت الفرصة لخلق الأرضية المشتركة، وأظهرت أن الجميع يسعون لسلام عادل يرضي طموحات جميع السودانيين".
وأبدى القيادي تفاؤلا كبيرا بشأن إمكانية إحراز مزيد من التقدم خلال الأيام المقبلة، مستبعدا أن تلجأ أي من الحركات المسلحة لخيار "تقرير المصير".