مهدت زيارة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك للولايات المتحدة الأميركية، خلال الفترة من الأول من ديسمبر وحتى الثامن منه، لعودة قوية السودان للساحة الدولية وكسرت العزلة الكبيرة التي عاشتها البلاد على مدى 3 عقود من الزمان.
ويرى مراقبون أن الزيارة نجحت في الاتفاق على 5 من 6 عقبات رئيسية كانت تعيق رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب التي كبلت اقتصاد البلاد لأكثر من 26 عاما.
كما أسفرت عن اتفاق على عودة السفراء بعد قطيعة استمرت 23 عاما شهدت علاقات الجانبين خلالها توترات وعمليات شد وجذب كبيرة، ألقت بظلالها على العديد من الأحداث المفصلية، وعلى رأسها مسألة انفصال الجنوب، إضافة إلى التداعيات الاقتصادية التي كبدت البلاد مئات المليارات من الدولارات.
كما أحدثت الزيارة اختراقا قانونيا كبيرا، حيث نجحت الجهود السودانية في إقناع صناع القرار في واشنطن بعدم تحميل الشعب السوداني التبعات المالية المتعلقة بالتعويضات التي تطالب بها المحاكم الأميركية من الحكومة السودانية بشأن ضحايا الأعمال الإرهابية، من 11 مليار دولار إلى مبلغ رمزي لا يتعدى مئات الملايين، بحسب تصريحات أدلى بها حمدوك عقب عودته إلى البلاد الأحد.
وأتاحت الزيارة فرصة كبيرة للتواصل مع المؤسسات الأكثر تأثيرا في صناعة القرار وتوجيه الرأي العام في الولايات المتحدة.
لقاءات مكثفة
وشملت لقاءات الوفد السوداني كبار المسؤولين في وزارات الدفاع والخارجية والخزانة والدفاع ومجلس الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية وأعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب، إضافة إلى مراكز بحثية ومجالس أعمال وقادة رأي عام. كما أجرى الوفد لقاءات مع رئيس البنك الدولي ومديرة صندوق النقد الدولي.
وخلال اللقاء الذي جمع بين حمدوك ووزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين أكد الأخير حرص واشنطن على دعم الحكومة الانتقالية في السودان، مشيرا إلى أن بلاده تبحث الخطوات اللازمة لإسقاط السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
من جانبه، قال حمدوك إن الشعب السوداني أيضا ضحية للإرهاب، مشيرا إلى أن استقرار السودان يعني استقرار كافة دول المنطقة.
آثار إيجابية
ويقول عبدالقيوم عبدالسيد رئيس المجلس المركزي لحزب المؤتمر السوداني إن واحدة من أهم الآثار الإيجابية للزيارة هي الانتقال من مرحلة المفروضات الأميركية إلى مرحلة التفاوض الثنائي والبحث عن المعالجات.
ويرى عبدالسيد أن الوضعية الجديدة هذه تشكل إقرارا من الطرفين بضرورة تجاوز الماضي.
وبدت هناك مؤشرات واضحة على اقتناع مراكز القرار وجماعات الصغط الأميركية بأن التحول الذي حدث تحول جدي ولا يمكن الرجوع فيه للوراء وأن من مصلحة أميركا والمجتمع الدولي دعمه لاستكمال مسيرته، وتأمين التحول المدني الكامل وسد المنافذ أمام كل الطرق التي تدعم الإرهاب الدولي، سواء كانت عابرة أو من بعض المجموعات المحلية.
ويشير عبدالسيد إلى أن أميركا تضع في حساباتها أهمية الجغرافيا السياسية للسودان ومحاولات العديد من الدول لوجود موقع قدم فيه بخاصة الصين، حيث كشفت سنوات المقاطعة الأميركية تمدد النفوذ الصيني ليس في السودان وحده، بل استخدامه كمدخل مهم لكل القارة الأفريقية.
ويتوقع عبدالسيد أن تعمل أميركا على تطبيع علاقاتها مع السودان بشكل كامل خلال الفترة الانتقالية، مما سيساعد على خلق واقع سياسي يتجاوز ما كان سائدا قبل الثورة، بل يتجاوز المعادلة السياسية السابقة كليا.
رسائل عديدة
من وجهة نظر محمد عصمت، رئيس الحزب الاتحادي الموحد، فقد حققت الزيارة عدد من الجوانب الإيجابية أولها القبول الذي أصبح يحظى به السودان كبلد وقيادة.
وأصبح الباب مفتوحا أمام تحقيق المزيد من التقدم في العلاقات الخارجية بعد فترة الانغلاق والغزلة الطويلة، التي عاشتها البلاد منذ ثلاثين عاما.
ويعبر عصمت عن اعتقاده بأن الاتفاق على تبادل السفراء بعد نحو 23 عاما من القطيعة سيؤدي إلى تعزيز فرص التوصل إلى حلول بشأن العديد من القضايا العالقة، التي أدت إلى تدهور العلاقات في الوقت السابق.
ويشير عصمت كذلك إلى أن الزيارة طمئنت شركات القطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة لبدء استثمارات جادة ومفيدة والاستفادة من الفرص الاستثمارية والموارد الأولية الضخمة التي يزخر بها السودان، إضافة إلى كونه معبر تجاري مهم لخمس من الدول الأفريقية المجاورة، التي لا تمتلك موانئ بحرية.