تنطلق في العاصمة الأميركية واشنطن، الأربعاء، اجتماعات تضم وزراء الخارجية والمياه والري في مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة، وذلك برعاية وزير الخزانة الأميركي، ستيفين منوشين، ومشاركة البنك الدولي.
وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد أعرب في اتصال هاتفي أجراه معه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن اهتمامه الشخصي وحرصه البالغ على نجاح هذه المفاوضات وأنه شخصيا سيستقبل وزراء الخارجية الثلاث بالمكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في مستهل هذه المفاوضات تأكيدا لحرصه البالغ على خروجها بنتائج إيجابية وعادلة تحفظ حقوق جميع الأطراف.
وقد أحدث هذا التصريح موجة من التفاؤل في الأوساط المصرية تجلى في تغريدة نشرها الرئيس المصري على حسابه على موقع تويتر وجه خلالها الشكر لنظيره الأميركي لدعمه المفاوضات الثلاثية، ووصف السيسي ترامب بأنه "رجل من طراز فريد ويمتلك القوة لمواجهة الأزمات والتعامل معها، وإيجاد حلول حاسمة لها".
موضوع الخلاف
ومن المتوقع أن يطرح كل طرف من الأطراف الثلاثة وجهة نظره في أزمة السد، فيما يسعى الوسيط الأميركي، حسب تصريحاته، إلى توفير المناخ الملائم لاستئناف المفاوضات على نحو يزيل المخاوف ويطرح حلولا مرضية للجميع، فهل يمكن أن تنجح الإدارة الأميركية في هذا المسعى؟
وتبرز أهم نقاط الخلاف بين القاهرة وأديس أبابا في المشاكل الهندسية التي تتعلق ببناء السد وسنوات ملء خزان السد وإدارته أثناء سنوات الفيضان و الجفاف.
مخاوف مصرية
وفي تقرير للجنة الثلاثية، التي شكلت من خبراء مصريين وسودانيين وإثيوبيين ودوليين لدراسة آثار السد، اطلعت "سكاي نيوز عربية" على ملخص لما ورد فيه.
وذكر التقرير أن معايير التصميم المبدئي لم توضح سوى الطبيعة العامة للسد من دون ذكر تفاصيل حول مدى ملائمة جسم السد مع ظروف المنطقة المشيد عليها.
وبحسب التقرير نفسه فالتصميمات الإنشائية لأساسات سد النهضة لا تأخذ في الاعتبار انتشار التشققات الكثيفة المتواجدة في الطبقة الصخرية أسفل السد بما يهدد بانزلاق السد وانهياره، وهو الأمر الذي دفع عددا من الخبراء إلى القول بأن السد بني لينهار بما يشكله هذا من خطر داهم على إثيوبيا والسودان ومصر.
واللافت في الأمر أن موقع السد قد تم تحديده بناء على دراسة قام بها مكتب استصلاح الأراضي التابع للإدارة الأميركية في منتصف القرن الماضي، حيث أشارت الدراسة آنذاك إلى أن هذه المنطقة تتميز بانبساط تضاريسها نسبيا عن منحدرات الهضبة الإثيوبية مما يسهل عملية البناء والتخزين المائي.
أما ثاني المخاوف المصرية فتتعلق بحجم المياه التي سيحجبها السد من حصة مصر البالغة نحو 56 مليار متر مكعب سنويا وتأثير هذا على سكانها وأراضيها الزراعية وهذا بدوره ينقسم إلى شقين، أحدهما يتعلق بحجم المياه التي سيتم سحبها خلال فترة ملء خزان السد.
والآخر بالفترة، التي تلي عملية الملء، حيث ترغب إثيوبيا في ملء الخزان خلال 3 سنوات من أجل تسريع عملية إنتاج الكهرباء منه، بينما ترى مصر أن أقل مدى زمني لعملية ملء الخزان يجب ألا يقل عن 6 سنوات ترتفع في بعض الدراسات إلى 7 و10 سنوات.
الموقف المصري
وتؤمن القاهرة بسلامة موقفها وعدالة قضيتها، إذ يشكل النيل شريان الحياة للمصريين، حيث يمثل قضية وجود، ومن ثم فإن المساس بها يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري.
كما أن القاهرة، التي أكدت غير مرة على دعمها الكامل لحق إثيوبيا في التنمية، ترى أنها أبدت حسن النية وسارعت في إجراءات بناء الثقة، ومازالت تمد يد التعاون المتبادل بما لا يضر بمصلحة أي من الأطراف.
وفي المقابل فإن أديس أبابا، في رأي القاهرة، تواصل المراوغة لكسب مزيد من الوقت وفرض الأمر الواقع وهو أمر مرفوض من الجانب المصري رفضا مطلقا.
وفي السياق، فمن المتوقع أن يقدم وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ملفا متكاملا لعرض وجهة النظر المصرية المدعومة بمبادئ القانون الدولي والقواعد الحاكمة للتعامل مع الأنهار والقائمة على مبادئ عدم الإضرار بمصالح دول المصب، إضافة إلى التسلسل الزمني للاتفاقات والمعاهدات المنظمة للاستفادة من مياه النيل بداية من اتفاقيتي 1929 و1959.
وكذلك معاهدة تسوية المنازعات بين مصر وإثيوبيا الموقعة عام 1986 ووثيقة التفاهم الموقعة في الأول من يوليو عام 1993 حول عدة مبادئ أهمها عدم قيام أي من الدولتين بأي نشاط يتعلق بمياه النيل من شأنه إلحاق الضرر بمصالح الدولة الأخرى.
وإضافة إلى إعلان المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا عام 2015، والذي نص صراحة على أن يتم الاتفاق بعد انتهاء الدراسات على كيفية إنجاز سد النهضة وتشغيله دون الإضرار بدولتي المصب مصر والسودان فضلا عن اعتماد مبدأي عدم الإضرار والتعويض في حالة الضرر، وهو الإعلان الذي تتمسك مصر بتنفيذه والاعتماد على الدراسات الفنية، التي تؤكد صحة الموقف المصري.
الموقف الإثيوبي
يمثل سد النهضة بالنسبة لإثيوبيا حلما قوميا جامعا لأبنائها، الذين ينتمون لعدة أعراق وقوميات ويتحدثون نحو 77 لغة مختلفة، ومن ثم فإن القادة الإثيوبيين شديدي الحذر من المساس بهذا المشروع خوفا من اتهامهم بالتفريط في حقوق الشعب الإثيوبي.
وظهر هذا الالتفاف الشعبي حول مشروع السد في الاكتتاب، الذي أجري لتمويل السد من الإثيوبيين في داخل البلاد وخارجها عبر إصدار سندات داخلية وخارجية مقصورا على مواطنيها لتوفير 3 مليارات دولار من جملة تكلفة بناء السد البالغة 4.8 مليار دولار، فيما وفرت البنوك الصينية تمويلا بلغ 1.8 مليار دولار.
وتسعى إثيوبيا من خلال بناء السد وتشغيله إلى استكمال خطط التنمية وتوصيل الكهرباء للمواطنين المحرومين منها، والذين يشكلون نحو 70 بالمئة من عدد السكان.
واعتمادا على هذين العاملين ترفض إثيوبيا الطلبات المصرية وتصفها بأنها مساسا بسيادتها، وتؤكد في الوقت ذاته على عدم رغبتها في الإضرار بمصلحة مصر، معتبرة أن مشروع السد سيصب في مصلحة الجميع.
ومن المتوقع أن تطرح إثيوبيا وجهة النظر تلك في المفاوضات مع استعدادها لطرح حزمة من المشروعات المشتركة في محاولة لتعديل الموقف المصري وهو الطرح المرفوض مصريا بشكل قاطع.
الموقف السوداني
نجحت إثيوبيا في إحداث تغيير في الموقف السوداني وتحييده بما يشكل دعما لموقفها تجاه مصر، وقد ظهر هذا الموقف جليا في الجولات الأخيرة من المفاوضات قبل أن تصل لطريق مسدود وتلجأ مصر لعرض القضية أمام اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في كلمة الرئيس السيسي في سبتمبر الماضي.
ويعتبر السودان أن بناء السد يصب في مصلحته المباشرة من جهتين، الأولى هي حصوله على الكهرباء من إثيوبيا بتكلفة أقل من تكلفة الاستثمار في بناء محطات محلية لإنتاج الكهرباء وتصدير البترول بدلا من استخدامه في المحطات.
ومن جهة أخرى يسهم بناء سد النهضة في حجز الطمي، الذي كان يملأ بحيرات التخزين خلف السدود السودانية، مما يقلل من سعتها التخزينية للمياه ويقلل من استفادة السودان من حصتها من مياه النيل البالغة نحو 18 مليار متر مكعب.
ومن ثم فإن الموقف السوداني قد يبدو داعما للموقف الإثيوبي في المفاوضات التي تنطلق اليوم، وإن كانت القاهرة تراهن على تغيير الموقف السوداني، خاصة إذا تعلق الأمر بالخطورة الشديدة على السودان في حال حدوث انهيار جزئي أو كلي للسد، فضلا عن استعداد القاهرة للتعاون البناء فيما يتعلق بنقل الكهرباء أو المشروعات التنموية المشتركة.
الوسيط الأميركي
لا شك أن دخول الإدارة الأميركية على خط الأزمة بين مصر وإثيوبيا سواء كان بطلب مصري أو بمبادرة أميركية يشكل فرصة مهمة لوقف التدهور في هذا الملف والإدارة الأميركية تتحرك في هذا الملف أيضا دفاعا عن مصالحها في تحقيق الاستقرار وعدم تصعيد الخلافات بين اثنين من أهم حلفائها.
فمصر بالنسبة للولايات المتحدة شريك استراتيجي يلعب دورا محوريا في منطقة الشرق الأوسط وإثيوبيا كذلك تربطها علاقات غاية في الأهمية بواشنطن، وتلعب دورا محوريا في منطقة القرن الأفريقي.
كما أن الطرفين يعلبان دورا مهما في مكافحة الإرهاب، ومن ثم فإن الإدارة الأميركية ستسعى بما لها من ثقل دولي ودور محوري في تذليل الصعاب أمام أطراف الأزمة.
ماذا لو فشلت المفاوضات؟
على الجانب المصري، الذي يعتبر القضية بالنسبة له قضية حياة أو موت فمن المتوقع في حال فشلت المفاوضات أو وصولها إلى اتفاق لا يزيل المخاوف المصرية، فإن الأبواب مفتوحة لتدويل القضية والسعي إلى الضغط على الدول التي تعمل شركاتها في بناء السد.
وكذلك اللجوء إلى الأمم المتحدة سواء في الجمعية العامة أو مجلس الأمن باعتبار أن القضية تشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين، كما أن القاهرة تسعى بكل أدواتها لإقناع الدول العربية التي تربطها علاقات اقتصادية بإثيوبيا وفي مقدمتها السعودية والإمارات والكويت إلى الضغط على أديس أبابا من أجل التوصل لاتفاق يحفظ الحقوق المصرية في حصتها من مياه النيل، إضافة لعرض القضية على الشركاء الاقتصاديين المهمين بالنسبة لإثيوبيا وفي مقدمتهم الصين والاتحاد الأوروبي.