بين الإطارات المحترقة والهتافات الغاضبة، انتشرت آلات الشواء وحمامات السباحة المتنقلة، وغيرها من الوسائل التي لجأ إليها متظاهرون في لبنان، للتعبير عن آرائهم الرافضة للفساد وللتدهور الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، ولكن بطريقة فكاهية تخفف عليهم صعوبة الوضع الذي يواجهونه.
وانتشرت صور لمتظاهرين "ظرفاء"، شاركوا في الاحتجاجات التي تجتاح البلاد، بطريقة فكاهية منحت للمظاهرات نكهة مختلفة.
وفي إحدى الصور، قام متظاهرون بوضع حمام سباحة مطاطي في وسط الشارع، وقاموا بملئه بالمياه، ليجلس فيه أحدهم بملابس السباحة، حاملا علم لبنان.
ولمواجهة الجوع، حول بعض المتظاهرين الاحتجاجات، إلى "حفل شواء"، إذ قاموا بشواء اللحوم وتحضير الطعام في أحد الشوارع خلال تظاهرة.
وفي صورة أخرى، ظهرت مجموعة من المتظاهرين، التي تبدو وكأنها من أسرة واحدة، وهم يجلسون على كراسي تحت مظلات، ويحتسون المشروبات، ويدخنون "النرجيلة"، وكأن الشارع تحول إلى مقهى لتبادل الأحاديث والأخبار.
ولم تقتصر اللقطات الطريفة على المجموعات الصغيرة من المتظاهرين، إذ انتشر مقطع فيديو لمظاهرة ليلية حاشدة في مدينة طرابلس، وقد تحولت إلى ما يشبه الحفل الموسيقي، بعد أن ظهر منسق أغان على شرفة إحدى المباني القريبة، وشغل أغنيات تفاعل معها المتظاهرون.
وبالرغم من صعوبة الحياة في لبنان، في ظل الغلاء والفساد والضرائب المتزايدة، أظهر اللبنانيون هذه الروح الفكاهية في التعامل مع واقعهم، كطريقة يساعدون بها أنفسهم للاستمرار بالتظاهر لأطول وقت ممكن.
"مهرجان" لكل اللبنانيين
وعلّق الصحفي اللبناني، محمد نمر، على الأسباب التي دفعت بعض المواطنين للجوء إلى مثل هذه الأساليب الطريفة في التظاهر، معتبرا أنها "عامل جذب، حول المظاهرات إلى مهرجان لكل اللبنانيين".
وأوضح لموقع "سكاي نيوز عربية"، قائلا: "يسعى المتظاهرون إلى إيجاد وسائل تجذب اللبنانيين وتبقيهم في مواقع التظاهرات، أهمها توفير الطعام والمشروبات والمياه والمستلزمات الصحية والخيام".
وأضاف: "هذه حالة موجودة في كل الثورات، وهي رسالة من المتظاهرين للسلطات، مفادها أنهم لن يغادروا الشوارع والساحات، وسيبقون إلى حين النظر في مطالبهم واتخاذ خطوات حقيقية لتحقيقها".
وتحدث نمر عن "مسبح المتظاهرين"، مشيرا إلى أنه كان بمثابة عامل جذب لتشجيع المزيد من المواطنين على التظاهر، وتحويل المظاهرات إلى ما يشبه "المهرجان".
"أنغام" وتظاهرات
وعن مقطع الفيديو الذي تناول التظاهرة التي تحولت إلى حفل موسيقي، قال الصحفي اللبناني: "في كل بقعة جغرافية من ساحة الشهداء مثلا، توجد مجموعة من المتظاهرين تقوم بتشغيل موسيقى معينة، لجذب الأشخاص القريبين من هذا النوع من الموسيقى. هذه الأمور الترفيهية هي بمثابة عامل جذب، فالثورة هي ثورة ثقافية أيضا".
وأضاف في حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية": "يحول المتظاهرون الثورة إلى مشهد مرتبط بالثقافة اللبنانية، وما نراه في الساحات وفي المدن يشبه لبنان بالفعل، فالتنوع الموجود في الثورة يشبه لبنان الغني بالتنوع الثقافي والديني والمذهبي، وهي حريات مضمونة في البلاد".
وأشار نمر أيضا إلى التنوع الموجود في الطبقات الاجتماعية التي ينتمي إليها المحتجون، قائلا: "وجود باعة المأكولات والمياه تظهر أن كل الطبقات الاجتماعية موجودة في التظاهرات، فالفقير كان يبيعهم في مكان معين، لكنه يرغب أيضا في التظاهر دون أن يتخلى عن قوت يومه، لذا اتجه للبيع في التظاهرات، ليقف إلى جانب رئيس مجلس الإدارة، والموظف، والعامل، وغيرهم من اللبنانيين".
وانفجرت موجة احتجاجات في لبنان، الخميس الماضي، بعدما أعلنت الحكومة اللبنانية نيتها فرض رسوم على المكالمات التي تتم عبر التطبيقات في الأجهزة الذكية مثل "واتساب".
وعلى وقع المظاهرات، أعلن وزير الاتصالات اللبناني محمد شقير، ليلة الجمعة، التراجع عن فرض هذه الرسوم بناء على طلب من رئيس الحكومة.
وبعدما كانت الاحتجاجات تطالب في بدايتها بوقف الضريبة الجديدة، أصبحت تطالب بإسقاط نظام الحكم القائم عن المحاصصة الطائفية.