يزيد الهجوم التركي الذي يستهدف القوى الكردية السورية عبر الحدود، أكراد العراق ضعفا، بينما يعزز المنافسين الإقليميين الذين يجمعهم هدف واحد يتمثل بعدم قيام دولة كردية.
وأثار الهجوم، الذي أعقب انسحاب القوات أميركية مما أعطى فعليا ضوء أميركيا أخضر لتركيا، قلق قاطني إقليم كردستان العراق، فقد أنهى هذا الهجوم حكم أكراد سوريا لمنطقة "روج آفا"، وهو الاسم الذي يطلقونه على شمال شرق سوريا، ليصبح بذلك إقليم كردستان العراق المنطقة الوحيدة التي تخضع لحكم ذاتي كردي.
وأحرق محتجون في مدن كردستان العراق أعلام تركيا، وتعهدت سلطات المنطقة بمساعدة اللاجئين الفارين جراء الهجوم التركي، إلا أن رد الفعل الأكثر حذرا لزعماء أكراد العراق يظهر وضعهم بين مطرقة الهجوم التركي وسندان اعتمادهم على أنقرة اقتصاديا وسياسيا، وبالتالي لم ينددوا بتركيا بالاسم رغم قتالها إخوانهم في سوريا عبر الحدود.
ويخفي الهجوم كذلك توترا كامنا بين الحزبين الرئيسيين في كردستان العراق، الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو حليف وثيق لإيران، والحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع أنقرة.
ويقول مسؤولون أكراد ومحللون إنه مع إحراز تركيا تقدما في مواجهة المسلحين الأكراد واستعادة الحكومة السورية مناطق كردية وتأمين مسلحين متحالفين مع إيران خطوط إمداد إقليمية، سيتنامى اعتماد أكراد العراق على القوى الإقليمية، وفق ما ذكرت "رويترز" في تقرير.
وقال شيروان ميزرا العضو الكردي في مجلس النواب العراقي: "المشكلة أن الكرد في كافة الدول واقعون بين الدول المتسلطة أو التي الكل فيها يتوجه ضدهم. تعامل سوريا وتركيا وايران مع الأكراد غير منصف وحتى العراق. حكومة كردستان قلقة لأنها الأخيرة التي بقت في المنطقة".
وأضاف: "عليها (كردستان العراق) القيام بدورها للحفاظ على الواقع الذي تعيشه وإدراك خطورة المنطقة. حكومة كردستان يجب أن تتعامل مع بغداد كإقليم فيدرالي (اتحادي)".
وفشل أكراد العراق في 2017 من تحقيق حلم الاستقلال عقب انتقاد الولايات المتحدة لاستفتائهم على حكم ذاتي كامل للأكراد.
ومهد الانتقاد الأمريكي، إضافة للتنديد التركي والإيراني الطريق أمام قوات الحكومة العراقية لاستعادة المناطق التي كان يسيطر عليها الأكراد منذ اجتياح تنظيم "داعش" لمساحات شاسعة من العراق.
وبحسب بلال وهاب، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإن التجربتين الكرديتين للحكم الذاتي في سوريا والعراق تلقتا "صفعة" خلال العامين المنصرمين.
وتساءل وهاب إن كانت تلك الانتكاسات تعزى لسوء توقيت أو لافتقار الحنكة السياسية أو "لصورة أكبر ينتهي فيها الأمر دائما بالأكراد بأن يعانوا من أسوأ التبعات والعواقب بغض النظر عن أي شيء".
استقلال فاشل وانقسامات
ويسعى الأكراد لقيام دولة مستقلة لهم منذ ما يقرب من قرن من الزمان، عندما انهارت الإمبراطورية العثمانية وتناثرت الأراضي التي يقطنها الأكراد بين تركيا وإيران والعراق وسوريا.
لكن محاولات القوى الإقليمية للإبقاء على هذه الجماعة العرقية التي يقدر تعدادها بنحو 30 مليون نسمة تحت السيطرة إضافة إلى الانقسامات الداخلية أحبطت لفترة طويلة جهود الأكراد لتحقيق الاستقلال.
وفي شمال العراق حصل الأكراد على أول حكم ذاتي لهم عام 1991، غير أنه يتعين عليهم منذ ذلك الحين أن يوازنوا بين طموحهم في الاستقلال التام والتهديد برد فعل عنيف من جيرانهم ومقاومة بغداد لإعادة ترسيم الحدود.
وتجربة أكراد سوريا أقصر عمرا، فقد سمحت الأزمة التي بدأت عام 2011 ، للأكراد في شمال شرق البلاد بحكم أنفسهم، وعملت القوات الأميركية مع وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا لإلحاق الهزيمة بداعش، الأمر الذي عزز أمل الأكراد في أن يسهم دعم حليف غربي قوي لهم في تعزيز إدارتهم الذاتية.
وانتهى الطموح الكردي في سوريا الأسبوع الماضي بانسحاب القوات الأميركية وبدء التوغل التركي.
وفي محاولة للتصدي للهجوم التركي اتفقت وحدات حماية الشعب مع الرئيس السوري على السماح لقواته بالدفاع عنهم، مُعيدة لدمشق السيطرة على أراضيها لأول مرة منذ سنوات.
ويشير ساسة أكراد ومحللون إلى أنه في مثل هذه البيئة فإن حكومة كردستان العراق ليست في موقف يتيح لها أن تهب لنجدة أكراد سوريا خوفا من الإخلال بعلاقاتها الإقليمية مع إيران وتركيا، وبناء على ذلك فإن مساعدة حكومة كردستان للسوريين ستقتصر على استقبال بعض اللاجئين، وهو ما بدأته بالفعل.