لطالما مثّل الأكراد شوكة في حلق نظام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي استغل ملفهم، ليقدم نفسه أمام الأتراك، حاملا لراية الدفاع عن القومية التركية.
وتضم تركيا وسوريا والعراق وإيران أعدادا كبيرة من الأكراد الذين يطالبون بدرجات مختلفة من الحكم الذاتي، حيث تغذّت النزعة القومية الكردية في تسعينيات القرن التاسع عشر، خلال الأيام الأخيرة للسلطنة العثمانية.
ووعدت معاهدة "سيفر" الموقعة سنة 1920، الأكراد بالاستقلال، إلا أن مصطفى كمال أتاتورك مزّق هذه الاتفاقية بعد 3 سنوات، لتقسم معاهدة "لوزان" في عام 1923، الأكراد على الدول الجديدة في الشرق الأوسط.
ويمثل الأكراد في سوريا ما يقارب 28 في المئة من السكان، وقد استغل المقاتلون الأكراد المواجهات المسلحة التي اندلعت في البلاد سنة 2011، لينتزعوا الحكم الذاتي في شمال وشرق البلاد، مسيطرين على نحو ربع المساحة العامة لسوريا.
وفي العراق، يشكل الأكراد ما بين 15 و20 في المئة من السكان، يعيش أغلبهم في محافظات إقليم كردستان العراق، شمالي البلاد، والتي حصلت على حكم ذاتي منذ عام 1991، لكنها لا تزال تعتمد في الميزانية على الحكومة المركزية في بغداد.
ويشكل الأكراد في إيران نحو 10 في المئة من السكان، وقد أخمد الحرس الثوري الإيراني لعشرات السنوات الاضطرابات الكردية الساعية لحكم ذاتي أوسع في البلاد، وأصدر القضاء الإيراني أحكاما على كثير من النشطاء بالسجن لفترات طويلة أو بالإعدام.
أما الأكراد في تركيا، فيمثلون نحو 20 في المئة من السكان، وقد رسخت أنقرة على مدى عقود فكرة "العداء للأكراد"، وذلك من خلال عدد كبير من الادعاءات التي ساهمت في خلق فجوة بينهم ومحيطهم، على أمل الحيلولة دون بلوغهم لحلمهم ببناء دولتهم القومية.
وردا على تلك الإجراءات، حمل حزب العمال الكردستاني السلاح ضد الدولة عام 1984، ساعيا وراء تحقيق الحكم الذاتي في الجنوب الشرقي من البلاد، الأمر الذي جعل تركيا تصنف الحزب كمنظمة إرهابية، وتطلق عدة عمليات عسكرية شهدت فيها انتهاكات لسيادة العراق خلال فترة الحصار، التي فرضتها الولايات المتحدة على الجمهورية العراقية بعد عام 1991.
وخلال فترة حكم أردوغان للجمهورية التركية تضاعفت الأزمة الكردية بشكل كبير، رغم نجاح تركيا نجحت في القبض على عبد الله أوجلان، الذي قاد العمليات العسكرية التركية، في عام 1999، وسجنه بتهمة الخيانة العظمى، حيث ظلت المناوشات مستمرة بين الطرفين.
وفي عام 2013 أعلن أوجلان وقف إطلاق النار واعتبر الحدث تاريخيا، إلا أن تركيا شنت غارات في 2015 على مناطق الأكراد في سوريا ما أسقط الهدنة وفتح الباب لتدخل تركي في الأراضي السورية بحجة ملاحقة الأكراد، رغم أن تقارير كثيرة أكدت غض أنقرة نظرها بعد اندلاع الأزمة السورية سنة 2011، عن دخول أعداد كبيرة من المتطرفين عبر حدودها إلى الداخل السوري.
ومع إعلان تنظيم "داعش" الإرهابي قيام دولته المزعومة سنة 2014 على أجزاء من أراضي العراق وسوريا، تدخلت الولايات المتحدة الأميركية عبر تحالف دولي لمواجهة الإرهاب، وقد وجدت أنقرة في هذه الظروف فرصة لإطلاق عملية عسكرية حملت اسم درع الفرات في أغسطس 2016، حيث فرض الجيش التركي سيطرته على المناطق الواقعة غرب الفرات.
وجاءت العملية التركية الثانية في يناير 2018 تحت مسمى "غصن الزيتون"، وبدعم من فصائل سورية مسلحة موالية لأنقرة، رفعت شعار "إرساء الأمن والاستقرار على حدود تركيا، والقضاء على إرهابيي حزب العمال الكردستاني وقوات حماية الشعب الكردية وداعش"، وأسفرت عن سيطرة الفصائل المسلحة على منطقة عفرين.
وفي أحدث فصول النزاع "التركي- الكردي"، أطلقت تركيا عملية "نبع السلام" في 9 أكتوبر، حيث استهدفت مواقع تابعة لقوات سوريا الديمقراطية التي لعبت دورا محوريا في محاربة تنظيم "داعش"، متذرعة ببناء منطقة آمنة على طول الحدود التركية السورية، وإنهاء الخطر الكردي على الحدود، وإعادة اللاجئين السوريين لبلادهم.
وتعليقا على التطورات الجارية في الشمال السوري، وحقيقة الأهداف التي أوردها أردوغان لحملته العسكرية، قال ممثل الإدارة الذاتية الكردية لشمال وشرق سوريا، شيفان خابوري، إن ذلك يمثل تطورا خطيرا ستكون له تداعيات سلبية على الشرق الأوسط ككل والاتحاد الأوروبي في حال لم تتضافر الجهود لوقف العدوان غير المبرر من جانب جيش الاحتلال التركي.
ولفت خابوري في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، إلى أن الهجوم التركي قد تسبب بنزوح للمدنيين من مختلف مكونات المجتمع السوري وليس الأكراد وحدهم، كما أن ضحايا العدوان التركي كانوا أيضا من طوائف متنوعة، الأمر الذي يكشف زيف ادعاءات أردوغان باستهداف الأكراد وحدهم.
واستنكر المسؤول الكردي صمت المجتمع الدولي بشأن ما يجري في شمال سوريا، ونسيان الدور الذي لعبه المقاتلون الأكراد في قتال "داعش"، والحيلولة دون توسعه.
وفيما يتعلق بتصريحات أردوغان التي عبّر من خلالها عن رغبته في إعادة توطين اللاجئين السوريين في المنطقة التي يستهدفها حاليا، بيّن خابوري أن النظام التركي يحاول تبرير غاياته التوسعية الرامية لإعادة "السلطنة العثمانية"، وأوضح قائلا: "وافق الأكراد على الاتفاقية الأمنية الثلاثية التي تؤمّن حدود تركيا وعودة اللاجئين، إلا أن أردوغان نقض تلك الاتفاقية بإعلان تحركه الأحادي".
وتابع خابوري قائلا: "نحن أكراد سوريون وندافع عن وحدة الشعب السوري، وقد أنهينا حلم داعش بالتعاون مع مكونات سورية في شمال وشرق البلاد، إلا أن أردوغان يريد تمزيق هذه الوحدة والجغرافية، وتحويل المنطقة لإمارة غالبيتها من مرتزقة التنظيم الإرهابي".
وحذر ممثل الإدارة الذاتية الكردية لشمال وشرق سوريا، من خطورة الوضع حاليا وخصوصا فيما يتعلق بالتنظيمات الإرهابية، حيث أن الهجوم التركي استهدف بالمقام الأول السجون الواقعة في مناطق الإدارة الذاتية والتي كانت تضم إرهابيي داعش، وذلك في مسعى لتحريرهم، علما أن تعدادهم يقارب الـ75 ألف، وفك أسرهم يعني نشر الخراب في المنطقة، وإعادة الأزمة السورية إلى نقطة الصفر.
وبفضل امتلاك الأكراد لهوية وثقافة أصيلة تعزز من وجودهم، يرى مراقبون أنهم قادرون على دعم مطالبهم لتحقيق نزعاتهم بوجودهم السياسي، حتى وإن تمكن أردوغان من إضعافهم سياسيا في العراق، وتوجيه ضربات عسكرية لهم في سوريا، والتحالف مع نظام الملالي ضدهم في إيران، فدوافع تحقيق حلمهم حاضرة وقادرة على تجسيدها متى توفرت الظروف المواتية لبعثها من جديد.