يواجه الإعلام السوداني تحديات جمة مع تأثره بالأزمات الثقيلة، التي ألمت بكافة مناحي الحياة في السودان خلال العقود الثلاثة الماضية، فيما يبحث الكثير من الخبراء والصحفيين عن إمكانية تحديد خريطة طريق للخروج من الأزمة، في ظل الظروف الجديدة التي تعيشها البلاد.
ولخص خبراء وصحافيون التحديات التي تواجه الإعلام السوداني في القوانين المقيدة للحريات وغياب الديمقراطية وسيطرة الدولة على معظم أجهزة الاتصال الجماهيري واحتكار الإعلان والضرائب الباهظة التي تفرض على مدخلات الإنتاج، إضافة إلى عدم المقدرة على مجاراة الواقع الجديد الذي سببته وسائل الإعلام الاجتماعي.
وأكدوا لسكاي نيوز عربية أن البيئة الإعلامية كانت الأكثر تأثرا بالأزمات الثقيلة خلال العقود الثلاثة الماضية، لكنهم أشاروا إلى إمكانية تحديد خريطة طريق للخروج من الأزمة.
تشوهات كبيرة
ويقول الخبير الإعلامي، محجوب محمد صالح، إن مشكلة الإعلام السوداني تكمن في التشوهات التي لحقت بالممارسة الإعلامية بسبب غياب الديمقراطية والحكم الرشيد، وطول فترات الحكم العسكري، إذ أنه وخلال الأعوام الـ63 التي تلت الاستقلال لم تنعم البلاد بحكم مدني سوى لأقل من 10 سنوات.
ويشير صالح إلى أن "الإعلام لا يعمل بكامل كفاءته إلا في ظل حكم ديمقراطي، مما جعل الإعلام السوداني يعاني كثيرا خصوصا في ظل سنوات حكم الجبهة الإسلامية، الذي استمر 30 عاما، حيث واجه أعتى أنواع القمع".
وقصد نظام الإخوان تكبيل الصحافة طوال فترة حكمه حتى يعيقها من لعب دورها التوعوي والرقابي.
كما ينبه صالح إلى أن هنالك العديد من الجوانب التي ترتبت على ذلك الخلل، من أهمهما الإفرازات السالبة التي شهدتها الساحة الصحفية في السودان، وهو أمر طبيعي للصحافة، التي تعمل تحت الأنظمة الاستبدادية.
والجانب الأهم هنا عندما يحدث انتقال نحو التحول الديمقراطي، كما يحدث حاليا، "يحدث شيء من الارتباك. وهنا تقع المسؤولية الأكبر على قادة العمل الإعلامي، حيث يتطلب الأمر تعاملا حصيفا يصب في صالح تصحيح الممارسة الإعلامية".
التدريب والتطوير
ويؤكد صالح على ضرورة الاهتمام بتطوير المناهج والبرامج التعليمية في كليات ومعاهد الإعلام المتخصصة، خصوصا في ظل اتساع رقعة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من غيرها من الوسائط الأخرى.
لكن بالنسبة لصالح فإن هنالك خطر أيضا يحيط بالصحافة، وهو ذلك المتعلق بمدخلات الإنتاج والتوزيع غير العادل للإعلان الحكومي.
ويرى في هذا الإطار أن على الصحف الاهتمام بالجوانب التي تعطي بعدا أعمق للموضوعات التي يتم تناولها، خصوصا أن وسائل الإعلام الجديد تخطت عاملي الزمن والمكان في الخبر.
تحدي وجودي
ومن جانبه يقول رئيس تحرير جريدة التيار، عثمان ميرغني، إن الفترة الماضية شكلت تحديا وجوديا كبيرا بالنسبة للصحف ووسائل الإعلام المستقلة، إذ شهدت تضييقا غير مسبوقا من قبل جهاز الأمن، إضافة إلى احتكار الإعلان، وجعله انتقائيا على أساس الولاء وأسس أخرى غير موضوعية أو مهنية.
ويرى ميرغني أن الوضع الآن بات مختلفا كليا، فقد اتسعت مساحة الحريات وتزايد الأمل في وجود ممارسة إعلامية أكثر جودة وموضوعية.
لكن ميرغني يربط تفاؤله هذا بضرورة تطبيق إجراءات واقعية، من بينها تحويل الإعلام الحكومي إلى مؤسسات قومية تغلب عليها صبغة الاستقلالية.
أسس موضوعية
وفي ذات السياق، يرى رئيس تحرير جريدة الجريدة، أشرف عبدالعزيز، أن الأمر يتعلق أكثر بإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وإيجاد آليات تجسد الاحتكام لأسس موضوعية في الجوانب المتعلقة بالإعفاءات الضريبية المتعلقة بمدخلات إنتاج الصحف، إضافة إلى فتح المجال أمام التنافس الحر للحصول على الإعلان، وفقا لمستوى التوزيع والانتشار.
ويشير عبدالعزيز إلى أن المؤسسات الصحفية تحتاج إلى بيئة مواتية لتتمكن من تحسين أوضاع العاملين فيها.
وفقا لعبدالعزيز، فإن الوضع الأمثل الذي يجب أن يكون عليه الإعلام السوداني خلال الفترة المقبلة هو ذلك الذي يقوم على وجود وسائل إعلام مستقلة وقائمة بذاتها وقادرة على المنافسة الشريفة فيما بينها، إلى جانب وجود وسائل إعلام قومية تتبع للدولة ولا تستخدم كأبواق للحكومة، بل تؤدي الأدوار التوعوية والإخبارية والترفيهية المنوطة بها بموضوعية وحيادية تامة.
انتزاع الحريات
وعلى الرغم من تسليم رئيس تحرير جريدة السوداني، ضياء الدين بلال، بالتضييق الذي واجهته الصحف السودانية خلال السنوات الماضية، يرى أن الكثير من الصحف والوسائط الإعلامية استطاعت انتزاع هامش كبير من الحريات.
ويقول بلال إن الوضع يمضي نحو التحسن، إذ شهدت الفترة الأخيرة تلاشي ظاهرة التضييق، واختفاء حالات المصادرة، والإيقاف التي كانت تتعرض لها بعض الصحف بشكل مستمر، مما عرضها لخسائر كبيرة.
ويشير بلال إلى أن المسار الذي ستمضي فيه أوضاع الاقتصاد الكلي خلال الفترة المقبلة هو الذي سيحدد إلى أي مدى يمكن أن تنحسر معاناة الصحف، فارتفاع تكاليف الإنتاج الناجم عن ضعف الجنيه إضافة إلى الضرائب الباهظة على الواردات تؤثر على تكلفة إنتاج الصحيفة وعلى سعرها في السوق، وسوق الإعلان الذي يتأثر سلبا وإيجابا بالأوضاع الاقتصادية العامة.
فترة مجحفة
ويشدد الإعلامي مأمون الباقر على أن أي حديث عن الإعلام في سودان ما بعد الإنقاذ يجب أن يبدأ بمفهوم ماهية الإعلام الحر، إذ ظل الإعلام وأجهزته من صحف وإذاعات وقنوات فضائية منذ الاستقلال يتبع الحكومات المتعاقبة، بدلا من الدولة، رغم الأصوات التي ظلت تنادي منذ زمن طويل بضرورة إلغاء وزارة الإعلام واستبدالها بكيان صغير يكون مشرفا على أنشطة هذه الأجهزة.
وكانت الفترة الأسوأ للإعلام السوداني هي فترة حكم الجبهة الإسلامية التي عملت على السيطرة على الأجهزة الإعلامية عبر وضع قوانين مفيدة ومجحفة وشكلت كيان هلامي يراقب الصحف ويحاسبها.
أما الآن، ومن أجل إقامة نظام إعلامي حر، يجب إلقاء كافة القوانين المقيدة للحريات، ووضع قانون جديد للصحافة يراعي الظرف الموضوعي الجديد، والعمل على تأسيس كيان جديد للصحفيين، والسعي للانتقال على نحو مرن لفك الارتباط بين الحكومة والمؤسسات الإعلامية، وتأسيس مراكز متخصصة للإعلام الجديد تقدم دورات تدريب لخريجي كليات الإعلام ليتمكنوا من مسايرة المستجدات.
ويطالب الباقر بضرورة تنظيم حملة جماهيرية يتصدرها الإعلاميون من أجل تنظيف المؤسسات الإعلامية من صحف وإذاعات وقنوات من بقايا نظام المؤتمر الوطني.
صعوبات وابتزاز
ويقول الصحفي محمد عبدالعزيز إن الصحافة السودانية واجهت صعوبات بالغة خلال النظام البائد بعضها يتصل بحرية التعبير التي ترسم حدودها السلطات السياسية والأمنية، بجانب القوانين المتعددة التي تحكم الصحافة، وعلى رأسها قانون الأمن الذي يعطي سلطات واسعة تصل حد الرقابة القبلية والنشر والاعتقال ومنع الصحفيين من الكتابة، فضلا عن التحكم في توزيع الإعلانات لابتزاز الصحف والتشدد في تحصيل الضرائب للصحف المغضوب عليها.
ويتطلع عبدالعزيز الآن بعد نجاح الثورة لمؤسسات صحفية على قدر من الاستقلالية المادية والإدارية، وقادرة على توفير أوضاع جاذبة للصحفيين، إضافة إلى تدريبهم بشكل جيد للعب أدوار إيجابية في عبور السودان نحو الحكم الديمقراطي.
ويشير عبدالعزيز إلى أن الصحف يمكن أن تلعب أدوار كبيرة في نقد وتقويم الأداء الحكومي بشكل موضوعي، فضلا عن محاربة الفساد، وخلق منصة لنقاشات النخب لتحقيق سلام مستدام، وتجاوز الأزمة الاقتصادية، وتعزيز عملية التحول الديمقراطي.