تحاول مريم السلامي غسل ما تبقى من أكواب القهوة مسرعة، لتسليم مناوبتها في المقهى الذي تعمل به في منطقة لافييت وسط العاصمة التونسية، حيث يتعين عليها أن تلحق بالمواصلات العامة الساعة الثالثة ظهرا حتى تصل إلى بيتها بعد ساعتين، قبل أن ينقضي ضوء النهار، وتجد نفسها في مغامرة غير محسوبة.
ففي شهر ديسمبر الماضي تعرضت الشابة التي تبلغ من العمر 25 عاما إلى حادث سرقة بالإكراه، أو ما يطلق عليه التونسيون الـ"براكاج"، عندما قام شابان بإيقافها بسلاح أبيض وأخذا حقيبتها التي كانت تحوي ما تبقى من راتبها الهزيل.
وتقول السلامي لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنها تخشى أن تتكرر معها هذه الواقعة، لأنها "نجت بأعجوبة" على حد قولها في المرة الماضية.
وتوضح: "بعد أن أخذ أحد اللصين الحقيبة، قال أحدهما للآخر: (اصنع لها علامة في وجهها بالموس)، لكنه لم يفعل واكتفى بسرقة الحقيبة".
وتسكن السلامي في منطقة منوبة التي تبعد نحو 20 كيلومترا عن مقر عملها، لكن انتظار المواصلات وزحام الطريق يضاعف من وقت رحلتها اليومية، من أجل الحصول على لقمة العيش.
وتقول السلامي: "أتحصل على 500 دينار وأساعد أهلي في المعيشة، وبالكاد يكفي راتبي للمأكل والمواصلات".
وتعمل مريم لدى صاحبة مقهى تشاركها في نفس الاسم، ورغم أن مريم بن علي سيدة أعمال وتملك مقهى وعددا من المحال في ذات الشارع، فإنها تشارك عاملتها القلق نفسه.
وتقول بن علي لموقع "سكاي نيوز عربية": "الوضع الاقتصادي أصبح صعبا للغاية، فقد قلت حركة الزبائن بشكل كبير بسبب المصاعب المالية، وكل شيء أصبح باهظ الثمن".
وذكرت السيدة التي تبلغ من العمر 42 عاما أنها خفضت ساعات العمل في المقهى بسبب قلة الزبائن، وجعلت مواعيد مريم صباحية حتى لا تتعرض لأي مكروه.
ولم تفكر بن علي في تقليل الرواتب أو حتى تقليل عدد العمالة لديها في المقهي الذي يعمل به 5 أشخاص، قائلة:" الحياة صعبة بالنسبة للشباب والراتب أصلا لا يكفي احتياجاتهم".
ولدى السيدتين حماس كبير من أجل التصويت في الانتخابات الرئاسية المبكرة، وتقولان إنهما ستحاولان التصويت "لصالح مرشح يختلف عن السياسيين الحاليين".
وترى السلامي وبن علي سببا للامتعاض من الطبقة السياسية، بسبب انتشار "البراكاج" والوضع الاقتصادي الصعب، لكن هناك تخوفا أكبر يجمعهما معا، وهو أن يحدث تراجع عن الحقوق التي اكتسبتها النساء بعدما ألقت حركة النهضة الإخوانية بكل ثقلها في الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وتقول بن علي إن "النهضة فشلت وكثير من التوانسة لا يصدقونها، ونحن النساء لا نريد أحد يفرض علينا شيء.
"براكاج" في الميراث
ومن براكاج الشارع إلى براكاج المواريث، حيث قدم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي مشروع قانون للمساواة في الميراث إلى البرلمان، لمساعدة المرأة على الحصول على حقوقها، في ظل انتشار استيلاء الذكور على حقوق شقيقاتهن في الإرث، لكن المتغيرات السياسية تثير قلقا بشأن المضي قدما في إصدار القانون.
وتروي النادلة كيف أخذ شقيق أمها أرضا فلاحية كانت ضمن الميراث، دون أن تتمكن من فعل أي شيء.
وتتمنى مريم أن يطبق قانون المساواة في الإرث، بالقول: "أنا أعمل وأعاون أهلي، لماذا يأتي يوم وأرى أخي يأخذ حقي؟".
وبالنسبة لمريم الأخرى، صاحبة المقهى، فإن العائلات التي تعيش وضعا ميسورا قد تلجأ إلى تقسيم الثروة في حياة الأب أو الأم، مما قد يجنب الأبناء صراعات على الميراث، "لكن ذلك ليس قاعدة، وقد نجد مشكلات كثيرة تتعلق بنظرة الناس إلى السيدات وكأنهن لسن بحاجة إلى الميراث، رغم أن النساء يحملن العبء الأكبر في الأسرة بجانب عملهن".
وأثار بعض المرشحين الجدل عندما عبروا عن رفضهم لمشروع القانون، فيما فضل البعض الآخر تجنب الأمر حتى لا يفقدوا جزءا من الأصوات.
وكان الرئيس السابق منصف المرزوقي، المرشح حاليا، قد قال إنه سيلقي بقانون المساواة في الإرث الذي ينتظر مصادقة البرلمان عليه، في سلة المهملات، مبديا اعتراضه عليه، رغم أنه كان واحدا من الذين وقعوا على عريضة عام 1999 طالبت بمساواة المرأة بالرجل في الميراث.
ولم يتطرق معظم المرشحين في الانتخابات الرئاسية إلى القضايا التي تهم المرأة، بل تناولوا قضايا الأمن القومي والعلاقات الخارجية والأمور الاقتصادية المحلية، بحسب تركية الشابي نائب رئيس منظمة الناخبات التونسيات.
وتوضح الشابي أنه "بعد ثورة 2011، أصبحت الحاجة ملحة للالتفات إلى قضايا النساء، خاصة فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة، فالأوضاع لم تعد آمنة بشكل كامل بسبب انتشار الجريمة والبطالة".
وفيما يتعلق بالميراث، تقول الشابي لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "النساء الريفيات يتعرضن لانتهاك واضح، فمازالت العقليات تستغل الثقافة الاجتماعية المحلية ومن خلالها يجري الاستيلاء على حقوق المرأة في الميراث. المرأة تخدم في حقل أبيها ثم تحرم من ميراثها فيه، وفي أغلب الأحيان لا يتم تطبيق الشرع في الميراث".
وتلفت الشابي إلى قانون مناهضة كافة أشكال العنف ضد المرأة الذي تم إصداره عام 2017، ويشكل مظلة قانونية لوقف هذه الانتهاكات.
وتعتبر الناشطة الاجتماعية أن التونسيات يتطلعن إلى رئيس يطبق القانون ويواجه الإجرام، ويضمن الحريات العامة والفردية.
وبحسب عضو الهيئة المستقلة العليا للانتخابات، محمد التليلي، فتمثل النساء نسبة 49 في المئة من عدد الناخبين المسجلين البالغ عددهم 7 ملايين و145 ألفا.
واعتبر التليلي في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "القوة التصويتية الهائلة للنساء هي الضامن الأول لحقوقهن".
ورغم حديثهما عما يقلقهما فيما يخص الوضع المعيشي والأمان الشخص والحقوق القانونية، تتفق مريم ومريم على ما تملكه النساء من قوة كبيرة.
وقالتا ضاحكتان بالدارجة التونسية:"متنساش اللي النساء التوانسة هم اللي عطاو مليون صوت للسبسي ووصلوه للرئاسة"، في إشارة إلى الدور الكبير الذي لعبته الناخبات في دعم الرئيس الراحل خلال انتخابات 2014.