"لا داعي لأن تبقى الأعداد هي نفسها".. بهذه الكلمات أعلن زعيم ميليشيات حزب الله الإرهابية، حسن نصر الله، تقليص قواته في سوريا، مدعيا أن الوضع هناك لا يحتاج أعدادا كبيرة من المقاتلين، لكن وراء هذه الكلمات تختبئ أزمة مالية تخنق إيران وتصل بتداعياتها إلى حزب الله، بالإضافة إلى أوضاع ميدانية قلبت الطاولة على الاثنين.
وكان نصر الله قد أعلن، الجمعة، أنه قلص قواته في سوريا، قائلا: "ليس هناك مناطق في سوريا أخليناها بالكامل، لكن لا داعي أن تبقى الأعداد هي نفسها. ما زلنا موجودين في كل الأماكن التي كنا فيها في سوريا، لكن قلصنا القوات بما يحتاجه الوضع الحالي."
وادعى زعيم الميليشيات الإرهابية، في الوقت نفسه، أنه من الممكن إعادة كل من تم سحبهم "إذا دعت الحاجة لذلك".
تصريحات إن دلت على شيء، فهو أن حزب الله يحاول أن يظهر بمظهر القوي، ليخفي واقعه الاقتصادي المتأزم، بعد أن طالت العقوبات الأميركية المشددة إيران، محركه الرئيسي والآمر الناهي له، بالإضافة إلى مسؤولين كبار فيه، يلعبون دورا مهما في تمويله.
وكانت آخر العقوبات الأميركية، تلك التي أعلنتها وزارة الخزانة يوم الثلاثاء الماضي، على نائبين من حزب الله في البرلمان اللبناني، إلى جانب مسؤول الأمن في الميليشيا، علما أنها المرة الأولى التي تطال فيها العقوبات نوابا في البرلمان.
وشملت العقوبات الأميركية رئيس كتلة حزب الله في البرلمان اللبناني محمد رعد، والنائب أمين شري، لاتهامهما بـ"استغلال النظام السياسي والمالي" اللبناني لصالح حزبهما وإيران الداعمة له، بالإضافة إلى مسؤول الأمن في حزب الله، وفيق صفا.
وعلق مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات، العميد المتقاعد خالد حمادة، على الدوافع وراء خطوة حزب الله الأخيرة، وقال في حديث خاص موقع "سكاي نيوز عربية": "العقوبات الأميركية أعطت مفعولا قويا ليس فقط على حزب الله، وإنما على كل أنشطة إيران".
وأضاف: "أثر هذه العقوبات لا يمكن استنتاجه من خلال تقليص حزب الله لوجوده العسكري في سوريا فقط، وإنما من نتائجها التي ألقت بظلالها على مجتمع حزب الله بأكمله، بما لديه من مؤسسات وأفراد تابعين له، وعائلات تتقاضى رواتب منه".
وأوضح حمادة أن تقلص الإمكانيات المادية لحزب الله "خلق مشكلة مع عناصره وعائلات مقاتليه، خاصة وأن أكثر من 5 آلاف شخص من عناصره لقوا مصرعهم في سوريا، مما يعني وجود عشرات الآلاف من الأطفال الأيتام والأسر التي تعتمد عليه لتلقي الأموال، التي يعاني من قلتها أصلا".
من جانبه، شدد مدير مركز أمم للأبحاث، لقمان سليم، على المعاناة التي تواجهها إيران ووكلاؤها، ومنهم حزب الله، نتيجة العقوبات الأميركية، والإمدادات الكبيرة التي دفعا بها إلى سوريا، والتي أثرت على أوضاعهما المالية.
وتابع: "بين عامي 2012 و2016، تم تجنيد الآلاف من عناصر حزب الله للدفع بهم إلى جبهات القتال في سوريا، لكنه الآن بحاجة إلى مراعاة أوضاعه المالية، وهو السبب الذي دفعه إلى تسريح البعض، وتحويل مقاتلين إلى مهن مدنية برواتب أقل".
على الأرض
وردا على تصريحات نصر الله، بأن "الوضع العسكري على الأرض لا يستدعي وجود أعداد كبيرة من المقاتلين"، قال حمادة: "هذا الكلام غير صحيح، ولا قيمة عسكرية له، لأن الحجة التي اعتمدها الحزب لتبرير وجوده في سوريا كان المساعدة على استعادة الجيش السوري السيطرة على أراضي البلاد، وهو ما لم يتحقق حتى الآن".
وأشار مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات، إلى تقلص النفوذ الإيراني على الأرض في سوريا، بعد دخول قوى عظمى على الخط، مثل روسيا وأميركا وتركيا، بالإضافة إلى مسلحي المعارضة.
واستطرد قائلا: " يرتبط حزب الله وإيران في سوريا، بعلاقة غير واضحة مع روسيا، التي لا تبدي حماسا لدور سياسي لإيران في سوريا، بالإضافة إلى الرفض الأميركي التام للوجود الإيراني هناك".
وتابع: "قد ترى إيران أن تهدئة الأوضاع في سوريا بمثل هذا التوقيت أمر مطلوب، وبالتالي أعطت أوامرها لنصر الله بتقليص الأعداد، إلا أن عناصر حزب الله التي ما زالت موجودة في سوريا ستبقى على أهبة الاستعداد لتنفيذ أوامر إيران متى صدرت".
إيران وحزب الله.. "مسرح عمليات واحد"
وشدد سليم، على أن عدد عناصر حزب الله في سوريا "لا يشكل أي تغيير لحقيقة أنه خرق سياسة النأي بالنفس التي يفترض اتفاق اللبنانيين عليها، واعتدى على الإجماع اللبناني".
وأوضح أن سوريا هي بمثابة "مسرح عمليات واحد لإيران وحزب الله، وهو ما يترجم نفسه بواقع أن حزب الله يسطر على مساحات واسعة من الحدود اللبنانية السورية، وتأكيد نصر الله أن الانسحاب لا يعني أن العودة إلى سوريا أمر غير متوقع".
واعتبر سليم أن التقليص الذي يقوم به حزب الله لمقاتليه في سوريا هو بغرض "إعادة التموضع والانتشار في مسرح العمليات السوري واللبناني أيضا".
كما نوه إلى أن "تقليص حزب الله لعناصره في سوريا، لن يغير من الوضع الكثير، لأنه ينفذ أجندة إيرانية بحذافيرها، وبالتالي فإن سحب بضع مئات من المقاتلين أو تغيير مسماهم الوظيفي لن يغير من الأمر شيئا".
"الشعب يجوع والتدخلات قائمة"
وتطرق مدير مركز أمم للأبحاث إلى نقطة مهمة في حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية"، وهي أن النظام الإيراني "يفضل أن يجوع الشعب كما يحدث بالفعل، على أن يقلص ميزانيته الدفاعية".
وبيّن: "بالتأكيد تعاني إيران من وضع اقتصادي ضاغط، لكن في كل الساحات التي تنتشر فيها إيران وعملاؤها، سيكون التقليص الأخير هو ذلك الذي يمس المجهود الحربي".
وتعكس هذه الأحداث الأخيرة، شراسة تدخلات النظام الإيراني في دول المنطقة، ومحاولاته المستميتة، هو وأذرعه، لالتقاط أنفاسه والاستمرار في معارك خاسرة مزعزعة للاستقرار، بالرغم من أوضاع عسكرية ومالية وسياسية واجتماعية خانقة.