يجسد التنقل في ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش السوداني بتلقائيه عفوية، جوهر وروح مطالب المعتصمين من السودانيين، وهي تلقائية يتلمسها المراقب في نبض حركة الحياة اليومية داخل الاعتصام.
ويشكل الحضور في ساحة الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني صورة مصغرة للمجتمع السوداني بأطيافه الاثنية والدينية والثقافية والعمرية، وكل ينشط في مجال ما لينسج لوحة تعكس الحياة كما يريدونها.
ورصدت "سكاي نيوز عربية" شبابا منهمكين في طلاء الأرصفة الممتدة حول وداخل الساحة باللونين الأبيض والأسود، وهي أرصفة لم تعرف الطلاء منذ أمد، كما قال أحد الشباب.
وأكد شباب من داخل الاعتصام في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، أن سلمية الحراك لا تقتصر على نبذ العنف فقط، بل تعتمد المبادرة بالفعل الإيجابي البناء، "لأننا لا نركن للمطالبة فقط، بل نبادر بالعمل إن لم توضع لنا العصا على العجلة"، على حد قولهم.
وأكد خالد يوسف، أحد أعضاء اللجنة المشرفة على تنظيم الفعاليات، أنهم "مستعدون لمثل هذه المبادرات بغض النظر إن كان أمام مقر الجيش أو في المستشفيات أو المدارس أو الشوارع، قائلا: "فقط أفسحوا الطريق أمام طاقاتنا".
لوحة الحراك
وعند مدخل باحة الاعتصام من الناحية الشمالية على مشارف النيل الأزرق، بدأ عشرات الفنانين التشكيليين بالرسم لإخراج لوحة بطول 3 كيلومترات، تحمل توقيعات المشاركين في الحراك الشعبي السوداني.
ويتوقع أصحاب المبادرة أن تكون اللوحة هي الأطول في العالم، لتدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية.
وقال الفنان التشكيلي سيف الرحيمة لـ"سكاي نيوز عربية": "أنا هنا للمشاركة في مبادرة أطول لوحة، وهي بطول ثلاثة آلاف متر، تحمل توقيعات المشاركين في الثورة السودانية".
وأضاف الرحيمة أن "اللوحة ستكون دعما للثورة السودانية، سنرسم كذلك صور شهداء الثورة، وكل فنان يعبر عن ذاته تجاه هذه الثورة عبر اللون في هذه اللوحة".
الجنقو
وعند أحد المداخل الغربية لباحة الاعتصام سألنا مجموعة من الشباب عن سبب وجودهم، فقالوا إنهم من عمال الزراعة الموسميين بولاية القضارف شرقي البلاد، وهم معروفون باسم "الجنقو"، الذين كتب عنهم الروائي عبد العزيز بركة ساكن، روايته الشهيرة "الجنقو مسامير الأرض".
وأوضحوا في حديثهم لـ"سكاي نيوز عربية" أنهم هنا للمشاركة في الحراك، وشرح قضيتهم ولفت الأنظار إلى معاناة العمال الزراعيين.
وفي ساحة الاعتصام، هناك الكثير الذي لا ينطبق عليه تصنيف الفعل السياسي المباشر، لكنه يعكس الرغبة الحقيقية في إعادة ضبط إيقاع الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وفق ما يرتضيه أبناء وبنات السودان.
وتمثل ساحة الاعتصام مدينة بأكملها، مدينة نابضة بالحياة، حتى بائعات الشاي اللائي كان النظام السابق يطاردهن من شارع إلى آخر، ويصادر أدواتهن، شكلن حضورا وهن يبعن الشاي والقهوة، ليكتمل مزاج الثورة برشفة شاي أو رائحة بن يعبق في المكان.