بعد إجراءات متلاحقة اتخذها الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، تماشيا مع الاحتجاجات الشعبية العارمة التي اجتاحت البلاد، وآخرها إعلانه استقالته قبل انتهاء ولايته، جاء الرد من المعارضة بالرفض، على اعتبار أن هذه الخطوات لم تكن كفيلة بتلبية مطالبهم".
وكانت قوى من المعارضة الجزائرية، قد ردت على إعلان بوتفليقة استقالته وتشكيل حكومة جديدة، بإصدارها بيانا، بعد اجتماع في مقر جبهة العدالة والتنمية، اعتبرت فيه هذه الخطوات بمثابة "تعنت السلطة وإصرارها على البقاء في الحكم، رغم أن الشعب قال كلمته".
وتسلط ردود فعل أحزاب المعارضة الجزائرية، الرافضة للخطوات التي اتخذها بوتفليقة، منذ إعلانه سحب ترشحه لولاية رئاسية خامسة، وحتى إعلان الاستقالة الجديد، الضوء على حقيقة المطالب التي تريدها، وعلى رأسها طبيعة "النظام الجديد" الذي تسعى إلى الوصول إليه، وما إذا كانت بالفعل هناك مطالب محددة وواضحة تلتف حولها.
وفي حديث هاتفي مع موقع "سكاي نيوز عربية"، اعتبر رئيس حزب طلائع الحريات علي بن فليس، أن السبب وراء رفض المعارضة المستمر لإجراءات بوتفليقة، هو وجود "قوى غير دستورية سيطرت على الحكم في الجزائر خلال السنوات الماضية، وتسعى للسيطرة أيضا على خارطة الطريق الخاصة بالمرحلة الانتقالية".
وقال: "القوى غير الدستورية المحيطة بالرئيس، هي التي تسير الشأن العام في الجزائر، وهي مكونة من الأهل والأقربون، فهم بمثابة العقل المدبر".
وتابع: "إلى جانب هؤلاء، هناك أذرع متجذرة، وهي أصحاب المال الفاسد بصفة خاصة، والمسفيدين بغير وجه حق من مزايا المشاريع الاقتصادية، بالإضافة إلى بعض وسائل الإعلام، وبعض الأحزاب الموالية وجمعيات المجتمع المدني، وجميع هؤلاء لا يزالون مسيطرين على مركز صنع القرار".
واعتبر بن فليس أن إعلان الأمين العام لرئاسة الجمهورية الجزائرية، قرارات بوتفليقة الأخيرة، "بالرغم من أنه من غير مخول بالخوض في الأمور السياسية، يظهر أن القناع بدأ يسقط عن القوى غير الدستورية".
وأضاف: "هذا دليل على أن الرئيس حكم وحده لسنين طوال، ثم سيطرت قوى غير دستورية على الحكم، والآن يريدون بعد ذهابهم، إعطاءنا خارطة طريق.. يريدون أن يسيرونا أيضا بعد رحيلهم!".
وفيما يتعلق بانتخابات الرئاسة، وما إذا كان هناك مرشح واحد من المعارضة، قادر على المنافسة على منصب الرئيس، قال بن فليس: "لم يطرح موضوع الرئاسة بعد لأنه لا بد من تهيئة الظروف التي تسمح بإجراء الانتخابات".
وتابع: "سبق أن ترشحت مرتين ضد رئيس يمثل التسلط بعينه، في الوقت الذي لم يكن من المسموح لنا أن ننطق بكلمة.. الآن لا بد من الوصول لانتخابات بأدوات صالحة، لتكون نظيفة، وهذا سيحدث بعد شهور قليلة، لذا من الصعب أن أحدد اسم مرشح واحد الآن".
السر يمكن في "نية الرئيس"
أما المكلف بالإعلام في حزب جيل جديد، حبيب براهمية، فأكد أن أحزاب المعارضة ترى للأحداث الأخيرة بنظرات مختلفة، لافتا إلى أن نا يحدد توجه المرحلة المقبلة هو "نية الرئيس وراء القرارات التي أصدرها (الاستقالة وتشكيل حكومة جديدة)".
وقال لموقع سكاي نيوز عربية: "ليست هناك معارضة موحدة، إذ أن هناك أحزاب متعددة ولكل منها رؤيتها الخاصة بالوضع، والمطالب التي تنادي بتحقيقها".
وتابع: "باسم جيل جديد، نرى أن الذي قدمه بوتفليقة، هو مكسب للشعب وللبلاد، إذ أنه تحول من عهدة خامسة، لمرحلة انتقالية يقودها، ثم استقالته، وهذا مكسب".
وأضاف: "لكن نقطة الخلاف هنا هي النية وراءها، فإذا كان الهدف منها هو إعطاء نفَس للنظام ليتمكن من تطبيق المادة 102 من الدستور بحذافيرها، فهذا أمر مرفوض، كونه يمنح النظام القدرة على البقاء في الحكم".
لكن براهمية اعتبر أنه في حال كان الهدف من الخطوة "منح غطاء قانوني يعطي الشعب الجزائري مفاتيح الدولة، عن طريق ممثلين يثق فيهم الجزائريون، فإن هذا يفتح باب الحوار والمشاورات من أجل تنظيم المرحلة الانتقالية، والذهاب إلى انتخابات حقيقية".
وعن السبب وراء عدم قدرة المعارضة على الالتفاف حول مرشح واحد تدعمه بقوة، قال براهمية: "لأننا نمر بمرحلة ضبابية، إذ لا نعرف نية النظام من وراء الاستقالة، أو ماهي القرارات المهمة التي سيتخذها بوتفليقة قبل استقالته، لذا من المهم الآن مواصلة الحراك، ليرحل النظام تماما".
"تغيير النظام أم إسقاط النظام؟"
من جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية، علي ربيج، أن المعارضة الجزائرية قد تضع نفسها في دائرة من الغموض، نظرا لأن مطالبها غير واضحة ومحددة.
وقال لموقع "سكاي نيوز عربية": "هل تريد المعارضة تغيير النظام أم إسقاط النظام؟.. إذا كانت تريد تغييره فهذا ما يطلبه الشعب، لكن هناك بعض الأحزاب التي ترفع شعار (إسقاط النظام)، وهنا قد تكمن المشكلة، نظرا لأن المطلب يؤسس لمرحلة جديدة لا نعرف لها بداية من نهاية".
واعتبر أستاذ العلوم السياسية أن "مطلب إسقاط النظام يعني أنه لا بد من تشكيل مجلس تأسيسي، وإعادة النظر فيما يسمى بالجمهورية الجزائرية الثانية، التي تقوم على توزيع جغرافي وديموغرافي مختلف، وهذه أشياء صعبة كونها تمس ببنود في عمق الدستور الجزائري، وبثوابت وطنية".
وأشار إلى أنه في خضم كل هذا، فإن "موقف الشعب الثابت هو تغيير النظام ووجوهه، وإجراء إصلاحات عميقة داخل الدستور، وليس إسقاطه، إلى جانب تغيير نظام الانتخابات في البلاد".
وختم ربيح حديثه بالقول: "المعارضة أثبتت فشلها وضعف أدائها السياسي في هذه التجربة، خاصة بعد أن طلبت من المؤسسة العسكرية التدخل، وهذا مؤشر على إفلاسها وفشلها في البحث والتوافق فيما بينها للوصول إلى أرضية تسمح لنا الخروج من الأزمة".