دفعت الاحتجاجات التي شارك فيها مئات الآلاف من الجزائريين خلال الشهر المنصرم، الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى التخلي عن الترشح لولاية خامسة.
وأجّل بوتفليقة الانتخابات التي كانت مقررة أساسا في أبريل، وأعلن أن خبراء سيشرفون على انتقال إلى "نظام جديد" في الأشهر المقبلة. ويقول المحتجون إن هذا لا يكفي.
ما سبب الاحتجاجات؟
السبب المباشر هو ترشح بوتفليقة، إذ انتشرت الدعوات للاحتجاجات بعد أن تأكد ذلك في العاشر من فبراير .
وبدأت المسيرات الحاشدة في 22 فبراير وتصاعدت الأعداد خلال الجمعتين التاليتين. واتسعت رقعة الاحتجاجات بعد أن تخلى بوتفليقة عن خططه للترشح لكنه لم يتنح، مما أثار تكهنات بأنه سيبقى في السلطة لبقية العام.
واستفادت الاحتجاجات، حسب تقرير لوكالة رويترز، من الإحباط الذي يسيطر على ملايين الجزائريين الذين يشعرون بأنهم مستبعدون سياسيا واقتصاديا فضلا عن استيائهم من نخبة شاخت في مواقعها منذ سيطرتها على مقاليد الحكم في الجزائر عقب الاستقلال عن فرنسا عام 1962.
ومنذ عام 1999 أصبح بوتفليقة رمزا لجيل الاستقلال الذي يتشبث بالسلطة، وأشرف على عودة الاستقرار بعد العشرية السوداء في التسعينيات، لكن في عقده الثاني في السلطة كان قعيدا وغائبا تقريبا عن الحياة العامة.
وتعثرت خطط تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط في نظام "متصلب" يرى كثيرون أنه فاسد وتمزقه المحسوبية، حسب رويترز.
كيف استمر بوتفليقة طويلا؟
فقدت الجماعات الإسلامية الرئيسية مصداقيتها بسبب ما اقترفته خلال الحرب في التسعينات. وإلى جانب ذلك جرى استمالة المعارضة الليبرالية ثم استبعادها عندما انتهت الحرب.
ومع ترسيخ حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم أقدامه في السلطة، بدأت تسود البلاد حالة من اللامبالاة السياسية وتراجعت نسبة المشاركة في الانتخابات.
وعندما اجتاحت المنطقة انتفاضات عام 2011، استخدمت الجزائر الإجراءات الأمنية المشددة وأموال النفط لتجنب الاحتجاجات.
وسبق أن شهدت الجزائر احتجاجات محلية متكررة لكنها كانت تطالب بزيادة الموارد الحكومية وليس بالتغيير السياسي، بحسب وكالة "رويترز".
وانتشرت المعارك بين الفصائل والكتل السياسية في وسائل الإعلام المحلية، التي تتمتع بحرية نسبية وفقا للمعايير الإقليمية. وحينها، مثلما هو الحال الآن، لم تتمكن فصائل النخبة الحاكمة ولا بوتفليقة وحاشيته فيما يبدو من الاتفاق على خطة للخلافة.
من يدير البلاد؟
لم يظهر بوتفليقة في مناسبات العامة إلا نادرا منذ تعرضه لجلطة في عام 2013، لكنه بحلول ذلك الوقت كان قد همش القادة العسكريين الذين أوصلوه إلى السلطة. وترك الفريق محمد مدين المعروف باسم الجنرال توفيق رئاسة المخابرات العسكرية في 2015. وكان يُنظر للرجل على نطاق واسع على أنه مركز القوة الحقيقي في الجزائر.
وفي حين ظل الجيش أقوى مؤسسة في الجزائر، زاد نفوذ حاشية الرئيس، بمن فيهم شقيق بوتفليقة الأصغر سعيد، كما استفادت نخبة صاعدة من رجال الأعمال من زيادة إيرادات النفط.
ما هي السيناريوهات المحتملة؟
أعلن بوتفليقة أن مؤتمر وطنيا مستقلا وشاملا سيضع دستورا جديدا ويحدد موعدا للانتخابات على أن يختتم عمله بحلول نهاية العام. وتشكلت حكومة جديدة مؤقتة من الخبراء يرأسها نور الدين بدوي.
لكن هذه الخطة أصبحت موضع شك بسبب ضعف موقف بوتفليقة، فالمتظاهرون يريدون منه التنحي عندما تنتهي فترة ولايته ومدتها خمس سنوات في أبريل، ويقولون إن هدفهم مواصلة الضغط ومنع تسلل "نظام بوتفليقة".
وقال رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح إن على الجيش أن يتحمل مسؤولية حل الأزمة، لكنه يترقب الموقف حتى الآن. والجيش أكثر ترددا في التدخل مباشرة عن الماضي.
وحسب رويترز، قد يأتي زعيم جديد من التيار السياسي الرئيسي في البلاد، ومن بين من برزوا كقادة للاحتجاجات رئيس الوزراء الأسبق أحمد بن بيتور والناشط الحقوقي والمحامي مصطفى بوشاشي.
ما هي التحديات التي تواجه المحتجين؟
يحاول المحتجون الحفاظ على السلمية، ويساروهم القلق منذ البداية من أن تدفع فصائل داخل قوات الأمن المحتجين إلى العنف لتشويه سمعتهم أو من أن تنحى المظاهرات منحى عنيفا عندما لا تتم تلبية مطالب المحتجين.
ثمة تحد آخر يتمثل في العثور على قادة يتمتعون بخبرة كافية ودعم واسع النطاق في ظل افتقار من خدموا في عهد بوتفليقة للمصداقية في أعين المحتجين.
ويخشى المحتجون أن تتطلع الفصائل التي تمسك بالسلطة وشبكات المحسوبية المرتبطة بها إلى البقاء حتى عندما تتخلى عن بوتفليقة. ويعتقد معظم المراقبين بأنه عندما يترك بوتفليقة وجماعته السلطة، سيبقى النظام.
ما هي المخاطر؟
الجزائر أكبر دولة في أفريقيا من حيث المساحة ويربو عدد سكانها على 40 مليون نسمة، وهي منتج رئيسي للنفط والغاز وعضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ومورد رئيسي للغاز إلى أوروبا.
وتنظر دول الغرب للجزائر على أنها شريكة في مكافحة الإرهاب، وتلعب دورا عسكريا مهما في منطقة شمال أفريقيا والساحل الأفريقي وتبذل جهودا دبلوماسية في الأزمات في مالي وليبيا.