من الجيش إلى السياسة، صعد نجم شاب جزائري عاش وترعرع في مدينة وجدة المغربية التي غادرها ليلتحق بصفوف جيش التحرير الوطني، وما إن تحقق مراده في الاستقلال تحول إلى الحكم المدني الذي لم يبق فيه طويلا بسبب اتهامات فساد، لكن إصراره أوصله إلى أرفع مناصب الدولة.. ليصبح عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للجمهورية.
وبعد عقود طويلة، لا يزال "الإصرار" سمة تلازم بوتفليقة أينما حل وكيفما وجد، حيث يشير معارضون إلى اعتلال صحة الرئيس الجزائري وعدم لياقته للنهوض بمهام ولاية خامسة، ترشح لها بالفعل، مساء الأحد.
وفي مواجهة هذا الإصرار، يلتهب المشهد الجزائري وتتصاعد الاحتجاجات ضد ترشح بوتفليقة الذي كان من المفترض أن يعود إلى البلاد، الأحد، ليقدم بنفسه طلب ترشحه للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، لكن الرئيس بقي غائبا.
عبد القادر المالي
ولد عبد العزيز بوتفليقة في الثاني من مارس 1937 لأب وأم جزائريين، في مدينة وجدة المغربية التي عاش وترعرع فيها حتى أنهى دراسته الثانوية.
وفي عام 1956، تخلى عن الدراسة ليلتحق بجيش التحرير الوطني وهو في سن الـ19. انخرط بوتفليقة في القتال على العديد من الجبهات المشتعلة، وسرعان ما تبوأ مناصب رفيعة في قيادة ثورة التحرير الجزائرية.
وخلال عامي 1957و1958، خدم في الولاية الخامسة التاريخية (منطقة وهران)، حيث عُين مراقب عام، وضابط في المنطقتين الرابعة والسابعة.
كما التحق بهيئتي قيادة العمليات العسكرية وقيادة الأركان في غربي البلاد، ثم بهيئة قيادة الأركان العامة.
وكلف بمهام بعضها على الحدود الجزائرية مع مالي. ومن ثمة عُرف باسمه الحربي "عبد القادر المالي".
أصغر وزير
بعد استقلال الجزائر عام 1962، ترك بوتفليقة الجيش واتجه إلى السياسة، وانضم إلى حكومة أحمد بن بلة بحقيبة الشباب والرياضة والسياحة وهو في سن الـ25.
وبعد وفاة أول وزير خارجية للجزائر بعد الاستقلال محمد خميستي عام 1963، تولى بوتفليقة المنصب وأصبح أصغر وزير خارجية سنا في العالم، وكان يبلغ حينها 26 عاما.
قرر بن بلة إقالته من وزارة الخارجية في 18 يونيو 1965. وفي اليوم التالي لذلك، نفذ وزير الدفاع آنذاك هواري بومدين انقلابا عسكريا، أصبح يعرف بـ"التصحيح الثوري".
وكانت العلاقة القوية التي تربط بوتفليقة ببومدين منذ فترة "الثورة التحريرية" سببا في عودته إلى وزارة الخارجية مرة أخرى.
وبعد وفاة الرئيس هواري بومدين عام 1978، انقلبت الأمور على بوتفليقة.
اختلاس 60 مليون دينار
مع بداية تولي الشاذلي بن جديد الحكم في الجزائر، بدأت متاعب بوتفليقة الذي سُحبت منه حقيبة الخارجية عام 1979، وعين وزيرا للدولة دون حقيبة.
فوجئ بوتفليقة بطرده من اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني عام 1981. كما طالبته الدولة بإخلائه وأسرته الفيلا التي كان يسكنها في أعالي العاصمة الجزائرية، بعد اتهامه بالفساد المالي وملاحقته قضائيا.
لم يجد بوتفليقة خيارا سوى مغادرة الجزائر.
وفي 1983، نشرت صحيفة "المجاهد" الحكومية حكما صادرا من مجلس المحاسبة يدين بوتفليقة باختلاس أموال عمومية تتجاوز قيمتها ستين مليون دينار جزائري آنذاك.
وقضى بوتفليقة فترة منفاه الاختياري بين أوروبا والخليج، حتى عاد عام 1987 بضمانات من الرئيس بن جديد بعدم ملاحقته.
وفي عام 1989 شارك في المؤتمر السادس لحزب جبهة التحرير الوطني، وأعيد انتخابه في لجنته المركزية.
بوتفليقة رئيسا
وبعد نحو عقد من العنف والحرب الأهلية، يشار إليه في الجزائر باسم "العشرية السوداء"، ترشح بوتفليقة مستقلا للانتخابات الرئاسية بعد استقالة الرئيس اليامين زروال في عام 1999.
وعد بوتفليقة بإنهاء العنف الذي حصد قرابة 150 ألف شخص، وخلف خسائر بأكثر من 30 مليار دولار، وتصاعد بعد إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية عام 1991 التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالأغلبية.
وانطلاقا من هذا الوعد، خاض بوتفليقة الانتخابات وحيدا بعدما انسحب منافسوه الستة بسبب تهم بالتزوير.
اعتمد بوتفليقة على شعبيته الكبيرة التي حظى بها من قبل الكثير من الجزائريين الذين ينسبون له الفضل في إنهاء أطول حرب أهلية بالبلاد، من خلال عرض العفو عن مقاتلين إسلاميين سابقين.
وبدعم من الجيش وحزب جبهة التحرير الوطني، فاز بوتفليقة بالرئاسة بنسبة 79 في المئة من أصوات الناخبين.
أما الولاية الثانية، فقد فاز بها بوتفليقة أيضا في 2004، لكنه لم يكن مرشحا وحيدا بل واجه المنافس الشرس رئيس الحكومة السابق علي بن فليس.
وآنذاك، حصل بوتفليقة على 84.99 في المئة من أصوات الناخبين، بينما حصل بن فليس على 6.42 في المئة.
مدى الحياة
وفي عام 2008، اُقر تعديل دستوري ألغى حصر الرئاسة في ولايتين، ولقي انتقادات واسعة. ويقول معارضو بوتفليقة إن التعديل كان مؤشرا على نيته البقاء رئيسا مدى الحياة، وعلى تراجعه عن الإصلاح الديمقراطي.
وبالفعل اُنتخب بوتفليقة لولاية ثالثة في 2009، بأغلبية 90.24 في المئة.
كرسي متحرك
استقبلت المستشفى العسكرية الفرنسية "فال دوغراس"، في نوفمبر 2005، بوتفليقة بعدما تعرض لوعكة صحية.
وحينذاك، قالت السلطات الرسمية الجزائرية إن الرئيس أجرى عملية جراحية تتعلق بقرحة في المعدة.
وبعد ثمان سنوات، استقبلت المستشفى الفرنسية ذاتها الرئيس الجزائري بعدما أصيب بجلطة دماغية في أبريل 2013.
وظل بوتفليقة في فرنسا حتى يوم عاد إلى الجزائر في يوليو 2013 على كرسي متحرك، ومنذ ذلك الحين كان الغياب السمة الأبرز للرئيس الذي لا يظهر إلا نادرا.
بعد عودته مريضا، شككت المعارضة في قدرة بوتفليقة على ممارسة صلاحياته كرئيس للدولة وقائد أعلى للقوات المسلحة، لكنه ترشح لولاية رابعة عام 2014، وفاز بها بنسبة 81.53 في المئة من الأصوات.
واليوم، تتعالى أصوات الأحزاب الداعمة لعبد العزيز بوتفليقة الذي لم يتزوج ولم ينجب أبناء. وأيدته جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي للترشح لولاية خامسة في انتخابات 2019.