نقلت إسرائيل المواجهة مع إيران في سوريا إلى مستوى جديد، ابتعد عن مساحة الظل التي خيمت عليها طيلة الفترة الماضية، إلى عمليات معلنة تعيد التأكيد على الخطوط الحمراء وترفع سقف التحدي أمام نظام طهران الذي اعتاد على توجيه التهديدات عبر شاشات التلفاز.
وفي وقت مبكر يوم الاثنين، هزت انفجارات مدوية أرجاء دمشق على مدى 60 دقيقة تقريبا في عملية عسكرية لليلة الثانية على التوالي نفذتها مقاتلات إسرائيلية، لكن على عكس العديد من الضربات السابقة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو "تنفيذ سلاح الجو لضربة قوية ضد أهداف إيرانية في سوريا، بعدما أطلقت إيران صاروخا من هناك في اتجاه إسرائيل"
وأضاف: "لن نسمح بمثل هذه الأعمال العدوانية. نحن نعمل ضد إيران وضد القوات السورية التي هي أدوات العدوان الإيراني".
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في بيان إن مقاتلات الجيش هاجمت مواقع عسكرية لفيلق القدس الإيراني في سوريا، وبطاريات سورية للدفاع الجوي، بعدما أطلق الفيلق الإيراني صاروخ أرض أرض من الأراضي السورية باتجاه الجولان.
وأكد البيان "ضرب أهداف تابعة لفيلق القدس في سوريا، ومن بينها مواقع تخزين وسائل قتالية، وفي مقدمتها موقع داخل مطار دمشق الدولي، بالإضافة إلى موقع استخبارات إيراني ومعسكر تدريب إيراني".
ولم تعلن دمشق حجم الضرر أو عدد الضحايا الذين سقطوا في الضربات، لكنها قالت إن دفاعاتها الجوية استطاعت إسقاط أكثر من 30 صاروخ كروز وقنبلة موجهة أطلقتها إسرائيل.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن 11 شخصا لقوا حتفهم، فيما أكدت روسيا حليفة سوريا أن 4 جنود سوريين قتلوا.
"ثمن باهظ"
وفي تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" قال الناطق باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي عوفير جندلمان، إن إسرائيل "تعمل بشكل صريح ضد التهديد الإيراني المباشر"، مشيرا إلى أنه في بعض الأحيان "لا نعلن مسؤوليتنا، لكن دائما ما يكون واضحا من يقف وراء هذه العمليات".
وأضاف جندلمان أن "إسرائيل تنظر إلى التموضع الإيراني في سوريا بكل خطورة وتعمل ضده ليل نهار ودون هوادة"، معتبرا أنه "لا يمكن أن يكون هناك أي تواجد إيراني في اليوم التالي لانتهاء الحرب في سوريا".
وأشار المتحدث إلى أن الهدف من الضغوط العسكرية على الإيرانيين، هو "أن يدركوا أن هناك ثمنا باهظا لتموضعهم في سوريا ومحاولات خلق جيش إيراني في هذا البلد".
وردا على سؤال بشأن المدى الذي يمكن أن تذهب إليه إسرائيل في مواجهة مباشرة مع إيران، قال جنلدمان: "إسرائيل مستعدة للقيام بكل ما يلزم لحماية مواطنيها".
سلاح الجو الإيراني يرد
وأمام الضربات الإسرائيلية، جاء الرد من سلاح الجو الإيراني دون مقاتلات أو صواريخ، عبر تصريحات لقائده العميد طيار نصير زادة، الذي قال إن "قواته جاهزة لتدمير دولة االاحتلال الإسرائيلي".
وقال نبيل العتوم رئيس وحدة الدراسات الإيرانية بمركز أمية للبحوث الدراسات الاستراتيجية لـ"سكاي نيوز عربية"، إن "إيران لم تخض مواجهة مباشرة واحدة مع إسرائيل، وتهديداتها لا تخرج عن كونها شعارات، وفي حال فكرت في مواجهة مباشرة فستتمكن إسرائيل من إعادتها إلى العصر الفارسي"، على حد تعبيره.
واعتبر العتوم أن الصواريخ التي تنطلق من سوريا عبر ميليشيات إيران وتعبر إلى الجولان "مقذوفات وليست صواريخ بالمعنى العسكري الدقيق".
"وحتى إن أردات طهران التصعيد بشكل كبير، فليس أمامها سوى ذراعها في لبنان حزب الله، الذي سيتلقى ضربة قاسمة أشد بكثير من حرب 2006، وقد تنهي وجوده العسكري".
وكان رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي غادي إيزنكوت، قد كشف قبل أيام استهداف بلاده للقوات الإيرانية في سوريا بمئات الضربات، دون أي رد فعلي من قبل إيران.
ونقلت صحيفتا "نيويورك تايمز" و"صنداي تايمز" عن إيزنكوت قوله، إن "حربا في الظل" كانت تجري بين إسرائيل وإيران على مدار العامين الماضيين.
"حوار ناري" في العلن
ويرى المحلل السياسي والعسكري الإسرائيلي إيال عليما أن اللعبة في سوريا قد تغيرت على حد وصفه، وفرضت على إسرائيل الخروج من حالة الضبابية العسكرية.
وأوضح عليما لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "إسرائيل لم تكن لتلجأ إلى الضربات العلنية لولا تغيير الطرفين الروسي والسوري لسلوكهما عبر كشف كل المعلومات في هذا الشأن، مما ألزم إسرائيل بالإفصاح عن عملياتها".
ويرى المحلل الإسرائيلي أن "كلا الطرفين الإيراني والإسرائيلي انخرط في نوع من "الحوار الناري"، بمعنى أن يحاول كل طرف تحديد وفرض قواعد جديدة في هذه المنطقة".
"لكن لا شك في أن تؤدي هذه المرحلة الجديدة إلى تصعيد عسكري متزايدا في المستقبل القريب"، حسب المحلل الذي استبعد في الوقت ذاته أن ينجر الأطراف إلى حرب شاملة.
وفي هذا الحوار الناري، على حد وصف عليما، يبدو أن إسرائيل قد لقنت الإيرانيين درسا وجعلتهم يشعرون بالإحباط ويخفضون كثيرا من سقف طموحاتهم.
فبينما لم تؤد الضربات الإسرائيلية إلى القضاء على الوجود الإيراني المتغلغل في سوريا، فإنها "لقنت فيلق القدس وقائده قاسم سليماني درسا صعبا، حيث أدرك مدى ضعف استخباراته وأدواته العسكرية في مقابل إسرائيل".
كما تعرضت عملية بناء القدرات العسكرية الإيرانية في سوريا إلى العديد من الضربات المؤلمة، عندما استهدفت مئات الطلعات الجوية الإسرائيلية قواعد إيران العسكرية واللوجستية في مناطق متفرقة.
الخطوط الحمراء
وفي السياق ذاته، قال الخبير الأميركي في شؤون الشرق الأوسط ماثيو بروديسكي لـ"سكاي نيوز عربية"، إن ما يهم إسرائيل هو عدم تجاوز إيران للخطوط الحمراء، وهو ما اتضح من الغارات التي استهدفت الصواريخ النوعية الإيرانية.
واعتبر أن الغارات الإسرائيلية "العلنية" بمثابة تذكرة لإيران بنبرة أعلى بـ"الخطوط الحمراء".
وفي المقابل، رأى عضو مجلس الشعب السوري السابق شريف شحادة أن الغارات الإسرائيلية ما هي إلا ذريعة لضرب قدرات الجيش السوري، قائلا لموقع "سكاي نيوز عربية" إنها تهدف إلى" دعم المجموعات الإرهابية لكي تستمر في أنشطتها في سوريا".
وقال شحادة:" كلما تقدم الجيش السوري وكلما انكسر الإرهاب، وجدنا إسرائيل تدخل على الخط مباشرة".
وأكد شحادة أن الوجود الإيراني الذي هو عبارة عن خبراء ومستشارين عسكريين فقط، على حد قوله، "هو وجود شرعي، ومن حق الحكومة السورية أن تطلب مساعدات من أي دولة".
لكن الرسالة لم تكن موجهة فقط إلى النظام في طهران، بل إلى الروس والحكومة السورية، بحسب بروديسكي الذي قال إن "الضربة الإسرائيلية تعكس الواقع الجديد بعد إعلان واشنطن الانسحاب من سوريا، وهي رغبة الإسرائيليين في التأكد من أن الروس والسوريين لا يزالوا يفهمون الرسالة".
لكن أهم ما في هذه الرسالة، بحسب المتحدث باسم نتانياهو، هي أن "الجيش الإيراني مكانه داخل إيران فقط وليس في سوريا أو أي مكان آخر".