لم تمض أشهر على اندلاع الأحداث المسلحة في ليبيا عام 2011 حتى بدا التدهور و الانفلات الأمني سيد الموقف في البلاد، فانتشار السلاح خارج سلطة المؤسسات العسكرية والأمنية كان أهم عامل مساعد لدعم هذه الفوضى وتوسيع رقعتها.
ويأتي هذا الانفلات الأمني كذلك بسبب الحدود الليبية الطويلة المفتوحة والتي حتى وإن تواجدت بمعابرها قوات حكومية أو شبه حكومية فإن الرشوى والمحسوبية وسيطرة أحزاب جعلت منها نقاط عبور وترحيب بعناصر متطرفة ومرتزقة.
فحدود ليبيا البرية والتي تبلغ مساحتها 4383 كيلومترا بات من الصعب السيطرة عليها بشكل كامل ومنع تسلل المهاجرين غير القانونيين والعناصر الإرهابية وميليشيات مسلحة من المعارضة التشادية، ناهيك عن تهريب السلاح والأموال والوقود الليبي.
ومن أبرز المشاكل التي باتت أكبر مؤرق للمواطنين جنوبي ليبيا، ميليشيات مسلحة من المعارضة التشادية والتي تمكنت من دخول البلاد فور الإطاحة بنظام القذافي وبدأت عملياتها المسلحة ضد المدنيين والعسكريين بمدن الجنوب الليبي والجنوب الشرقي منذ عام 2012.
تغير شكل الصراع في ليبيا جعل من هذه الميليشيات الدخيلة قطب صراع لافت وعدو متعدد الولاءات للجيش الليبي، فلا حرج لدى هذه العناصر من التحالف مع أي تنظيم إرهابي ضد قوات الجيش والشرطة لقاء بقائها داخل الحدود والمدن الجنوبية التي اتخذت منها قواعد انطلاق لتنفيذ عملياتها ضد الجيش في الجنوب من جهة وضد قوات الجمهورية التشادية من جهة أخرى.
فتحالف هذه العناصر مع تنظيم "القاعدة" في سوابق عدة للهجوم على حقول النفط جنوبي البلاد والموانئ النفطية في الشمال تحت مسميات عدة، كان الدليل الدامغ على تعدد ولاءات هذه الميليشيات لقاء حصولها على المال وأكبر مساحة جغرافية من جنوب البلاد المنكوب.
الجيش الليبي من جانبه لم يقف مكتوف الأيدي، فعملياته العسكرية الواسعة جنوبي ليبيا وفي الوسط كشفت عن مدى حجم وتغلغل هذه الميليشيات في ليبيا وسط صمت دولي.
ومن أبرز التنظيمات التي تحالفت معها الميليشيات التشادية "تنظيم القاعدة" وكذلك ميليشيات "إبراهيم جضران" المتحالف أساسا مع القاعدة والتابع لها سابقا، كذلك قتال هذه العناصر ضمن ما يسمى بـ"سرايا الدفاع عن بنغازي ـ قاعدة"والتي تعرضت معسكراتها في جبال وأودية متاخمة لبني وليد قبل أسبوع لقصف من طيران الجيش الليبي.
وقوبل هذا التحرك من قبل الجيش باستنكار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس عبر بيان لها نددت فيه بهذه الخطوة، ما يضع علامات استفهام حول دفاع الحكومة عن هذه الجماعات، ويضعها في موضع شبهة حول علاقتها بها.
وتتمادى هذه الميليشيات وسط صمت دولي في عملياتها والتي كان آخرها الخميس، وذلك بالهجوم على بلدة "تراغن" في الجزء الغربي من ليبيا واختطاف عدد من المدنيين والعسكريين بعد اشتباك مع اللواء العاشر بالجيش الوطني الليبي داخل المدينة، مما أسفر عن مقتل ضابط من الجيش وجرح سبعة آخرين قبل انسحاب المهاجمين باتجاه الصحراء المفتوحة.
عمليات ليست بالجديدة ولن تكون الأخيرة بحسب مراقبين، إذا ما استمر الصمت الدولي والدعم الحكومي التابع له لشل يد الجيش في الجنوب وكامل البلاد بعد اتساع رقعة سيطرته وقضائه على التنظيمات الإرهابية والميليشات المسلحة في شرق البلاد ووسطها وجزء كبير من جنوبها خلال سنوات قليلة.
أبرز فصائل المعارضة التشادية
- الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد: تتكون هذه الحركة بالكامل من شعب التبو –غير الليبيين– وتأسست في جبال تيبستي وغالبية كوادرها انتقلت للعمل في جنوب ليبيا كنشطاء يزعمون أنهم ليبيون وكثير منهم يتصدرون الواجهة في الجنوب، وهم عناصر بارزون في هذه الجبهة. وكانت الحكومة الليبية قد سجنت أكثرهم بطلب من الحكومة التشادية والتي طالبت بتسليمهم في التسعينات، وذلك وفقا لتقرير سابق كتبه الباحث السياسي إبراهيم هيبة.
- جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد: تتمركز الجبهة حاليا في عدة مواقع بالقرب من سبها وفي عمق الجنوب في بلدة أم الأرانب. يقودها الدكتور مهدي على محمد (من شعب الكريدة أحد الفروع الكبيرة لشعب الدازقرا) والجنرال محمد نوري زعيم شهير للمعارضة التشادية، الذي كاد أن يستولي على انجامينا عام 1998. وهو وزير سابق ينتمي لقبائل أناكزة المنتمية لشعب الدازقرا. وينحدر من الأناكزة الرئيس التشادي السابق حسين حبري.
- المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية: يعتبر من كبريات حركات المعارضة التشادية، ويتمركز كسابقيه في عدة مواقع بجنوب سبها. يعمل قادته على برنامج تدريبي نشط يزعمون أن لديهم قوات من الأفراد تصل لـ4 آلاف فرد كما ينضم لهم المزيد من الضباط والعساكر التشاديين الذين ينشقون حديثا عن نظام ديبي، خصوصا من قومية (الدازقرا).
- تجمع القوى من أجل التغيير في تشاد: واحد من حركات المعارضة التشادية المسيطرة على جنوبي ليبيا وله مواقع في جنوب سبها. يغلب عليه الانتماء القبلي من خارج قومية (الدازقرا) و تحديدا إلى القوميات التشادية المنتشرة في شرق تشاد، وأهمها (الزغاوة) التي ينتمي إليها زعيم هذه الحركة الجنرال تيمان أردمي، وهو واحد من أشهر قادة المعارضة التشادية.
شغل تيمان قبل تمرده منصب مدير مكتب الرئيس التشادي، إدريس ديبي، الذي تربطه به صلة رحم وكاد أن ينجح التحالف الذي أنشأنه مع الجنرال محمد نوري في إسقاط حكم ديبي في 1998. تيمان مقيم في قطر منذ قرابة 10 سنوات ويقود حركته من هناك. شاركت مجموعته فى عدة أحداث ومعارك ليبية حتى بعض من تلك التي وقعت فى السنوات الماضية بمحيط العاصمة طرابلس.