في 14 مايو 2016، أعلنت ميليشيات حزب الله اللبنانية مقتل قائدها العسكري مصطفى بدر الدين، نتيجة ما قالت إنه "قصف مدفعي قامت به الجماعات التكفيرية" على مركز للميليشيات، قرب مطار دمشق الدولي، في رواية ضعيفة شكك كثيرون في صحتها، كل لأسبابه، لكن الرواية نجحت، ولو مرحليا، في إغلاق ملف اتهامه بالوقوف وراء عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
يسلط هذا التحقيق الضوء على بدر الدين، الذي يوصف بـ"الشبح"، فمعظم المصادر تؤكد مقتل الرجل، باستثناء مصدر واحد يشير إلى بقائه على قيد الحياة، لكنها كلها تجمع على التشكيك في الرواية التي عرضتها الميليشيات، وتشير أيضا إلى تعرض الحزب إلى اختراق أمني كبير.
ولد بدر الدين في 6 أبريل 1961، ببلدة الغبيري جنوبي بيروت، ويحمل ألقابا وأسماء عدة، عرف منها: إلياس صعب، وسامي عيسى، وذو الفقار، وانضم في 1982 إلى تنظيم سيعرف لاحقا باسم "حزب الله".
وبدأ مع هذا التنظيم، الذي تولى الحرس الثوري الإيراني الإشراف عليه وتدريبه، في شن هجمات دامية في لبنان قبل أن يسافر إلى الكويت عام 1983، باسم إلياس صعب.
تفجيرات الكويت
وحسب معلومات نشرها مركز المعلومات والدراسات في صحيفة "القبس" الكويتية، فقد تورط بدر الدين في التفجيرات السبع المتزامنة التي ضربت الكويت يوم 12 ديسمبر 1983، وأسفرت حينها عن مقتل 6 أشخاص.
واستهدفت التفجيرات السفارة الأميركية ومجمعين سكنيين لخبراء أميركيين والسفارة الفرنسية وبرج المراقبة في مطار الكويت، ومركز تحكم تابع لوزارة الكهرباء ومصفاة بترول.
وحسب "القبس" أيضا، فقد كان بدر الدين ضمن الذين حاولوا اغتيال أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح عام 1985، وتمكنت السلطات الكويتية من اعتقاله، وأدانته لاحقا وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة.
وجاء الغزو العراقي للكويت عام 1990، هدية من السماء لبدر الدين، الذي فر من السجن مع الفوضى التي عمت البلاد عقب الغزو، واتجه إلى مقر السفارة الإيرانية، التي كان الحرس الثوري الإيراني يتولى حراستها حينها.
ونقل الحرس الثوري بدر الدين إلى طهران وثم إلى بيروت، ليستأنف نشاطه هناك، وفق معلومات موقع "كاونتر ترورزم" المعني بمكافحة الإرهاب.
الظهور مجددا
ولم يظهر الاسم بدر الدين في الإعلام بقوة إلا في يوم 10 يونيو 2011، عندما أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي شكلت للتحقيق في اغتيال الحريري عام 2005، قائمة المتهمين في العملية: وهم سليم عياش، وأسد صبرا، وحسين عنيسي، وحسن مرعي، بالإضافة إلى بدر الدين الذي يعتبر العقل المدبر للعملية.
وبعد أيام من قرار الاتهام، ظهر أمين العام الميليشيات، حسن نصر الله، في خطاب متلفز تعهد فيه بعدم تسليم المتهمين إلى المحكمة ولو بعد 300 سنة، في تصريح طغى عليه طابع التحدي.
لكن ماذا كان يفعل بدر الدين طيلة السنوات الممتدة بين 1990 و2011؟
يقول تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" نشر عام 2015، أي قبل عام من إعلان اغتيال بدر الدين، نقلا عن مصادر استخبارية في الشرق الأوسط، إن الرجل كان يعيش حياتين منفصلتين: الأولى سرية، حيث كان قائدا لما يعرف بـ"الوحدة 1800"، التي نفذت عمليات لحزب الله خارج لبنان، كما نسقت هذه الوحدة عمليات مع وحدة أخرى اسمها "2800" التي شنت هجمات في العراق.
ويضاف إلى ذلك، عملية اغتيال الحريري في 14 فبراير 2005، وفق القرار الاتهامي الصادر عن المحكمة الدولية بحقه، وبعد اغتيال القائد العسكري السابق لحزب الله، عماد مغنية في دمشق 2008، تولى بدر الدين معظم مهامه.
أما الحياة الثانية التي كان القائد العسكري يعيشها، وفقما نقلت الصحيفة عن محققي المحكمة الدولية، فهي تعود لشخص يحمل اسم سامي عيسى، قدمه اليمنى عرجاء، يرتدي معظم الوقت نظارات رياضية وقبعة البيسبول الشهيرة، ويتنقل برفقة حراس شخصيين، كما كان يمتلك متجرين للمجوهرات.
في الحرب السورية
ومع تورط الميليشيات اللبنانية في الحرب الأهلية بسوريا، كان لا بد من أن يكون بدر الدين هناك، كيف لا وهو الذي أصبح رقم واحد عسكريا في الميليشيا، عقب اغتيال صهره، مغنية.
ويقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن بدر الدين كان دائم الحركة في سوريا، لكنه لا يطلع أحدا على هويته الحقيقية.
وأضاف، وفق معلومات حصل عليها المرصد، أن بدر الدين كان يقدم نفسه باسم "الحاج"، وهو مجرد قيادي عادي في الميليشيات، وذلك فقط أمام مقاتلي الحزب وضباط قوات النظام على حد سواء.
وظهرت معلومات مماثلة في أماكن أخرى، منها التحقيق في اغتيال الحريري، إذ كان لدى بدر الدين 13 هاتفا لا يتصل أحدها بالآخر، كما بعض الأشخاص الذين اتصلوا بها ربما لم يعرفوه سوى باسم سامي عيسى، وفق ما ذكر تقرير لـ"نيويورك تايمز"، فيما يؤكد أحد مسؤولي موقع "بيروت أوبزرفر" الإخباري، خالد نافع، أن بدر الدين رجل استخباري مخضرم يتعامل "كالشبح" حتى مع القيادات في حزبه.
وفي 14 مايو 2016، أي في اليوم التالي لإعلان مقتل بدر الدين، ذكرت ميليشيات حزب الله في بيان ثان: "التحقيقات أثبتت أن الانفجار الذي استهدف أحد مراكزنا بالقرب من مطار دمشق الدولي، والذي أدى إلى مقتل القائد السيد مصطفى بدر الدين، ناجم عن قصف مدفعي قامت به الجماعات التكفيرية المتواجدة في تلك المنطقة".
رواية المرصد
لكن لدى المرصد معلومات مغايرة تماما، وقال في بيان أصدره حينها " علم المرصد من مصادر في الفصائل العاملة في القطاع الجنوبي من الغوطة الشرقية ومصادر داخل قوات النظام أنه لم يتم إطلاق أي قذيفة صاروخية على مطار دمشق الدولي أو منطقة المطار خلال الأيام الفائتة، كما لم يرصد نشطاء المرصد السوري في المنطقة سقوط أي قذيفة".
واعتبر المرصد أن "كل ما نشره حزب الله حول رواية مقتل قائده العسكري بقذيفة أطلقتها الفصائل على منطقة تواجده في منطقة مطار دمشق الدولي عار عن الصحة جملة وتفصيلا وعلى حزب الله أن يظهر الرواية الحقيقية".
معلومات جديدة
والآن، وبعد مرور عامين ونصف العام على الحدث، يكشف مدير المرصد معلومات جديدة عن اغتيال بدر الدين.
وقال عبد الرحمن إن "بدر الدين قتل بعيد اجتماعه مع ضباط في جيش النظام السوري، الذين لم يكونوا على علم بهوية هذا الشخص، الأمر الذي يعني أن هناك خرقا أمنيا داخل حزب الله".
وأضاف أن "الضباط سمعوا الانفجار بعد خروجهم من المكان الذي اجتمعوا فيه مع بدر الدين، وكانوا يعتقدون أنه مجرد قيادي في الحزب".
وتابع: "بدر الدين قتل بانفجار عبوة ناسفة قد تكون إسرائيل أو أي جهة أخرى وضعتها في المكان"، مضيفا :" من المؤكد أنه قتل".
ولفت إلى أن المرصد أفاد بوقوع انفجار في محيط مطار دمشق الدولي في اليوم الذي سبق إعلان ميليشيات حزب الله، أي يوم 12 مايو، لكن دون أنت تضح طبيعته.
وشدد عبد الرحمن على أنه لم يكن هناك إطلاق صواريخ من جهة الغوطة الشرقية، حيث كانت تنشط هناك فصائل مسلحة، قبل أن يجبرها النظام السوري على الرحيل في 2018.
وأضاف أنه لا إمكانيات لدى الفصائل في تلك المنطقة لإطلاق صواريخ تصل إلى 15-20 كيلومترا، وهي المسافة التي تفصلها عن مطار دمشق الدولي، حيث قتل بدر الدين، كما أن هذه الصواريخ، إن وجدت تفتقر للدقة.
وجدد التأكيد عن أن رواية حزب الله غير صحيحة إطلاقا، من أن لم يكن هناك إطلاق صواريخ في المنطقة، فضلا عن أن الانفجار لم يسفر عن سقوط قتلى سوى بدر الدين، الأمر الذي يثير علامات استفهام.
ماذا تقول إسرائيل؟
إسرائيل التي كانت خصما لدودا لبدر الدين وتلاحقه لسنوات، خرجت عن سياسة التزام الصمت إزاء الاغتيالات في المنطقة، وقال رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي، غادي إيزنكوت، في مارس 2017، إن القائد العسكري لميليشيات حزب الله "قتل على أيدي رجاله"، في إشارة إلى أن الحزب هو من أقدم على تصفية الرجل.
وأضاف أن الأمر "يعكس مدى عمق الأزمة الداخلية في حزب الله"، فضلا عن التوتر بينه وبين راعيته، إيران، مؤكدا " أن إسرائيل تعتقد أن أمر قتل بدر الدين صدر من زعيم الحزب، حسن نصر الله"، لكنه لم يذكر مزيدا من التفاصيل.
وذكرت تقارير إسرائيلية في حينها أن الاستخبارات تعتقد أن بدر الدين دخل في نزاع مع القادة العسكريين الإيرانيين في سوريا بسبب الخسائر الفادحة التي لحقت بميليشياته من جراء الحرب.
وفي حديث إلى موقع "سكاي نيوز عربية"، يقول الكاتب الإسرائيلي المتخصص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، والمقرب من الأجهزة الأمنية، يوسي ميلمان :"نعم. اعتقد أنه قتل (بدر الدين)، ولا اعتقد أنه على قيد الحياة. لماذا؟ لأن رئيس هيئة الأركان كان قد قال ذلك، ومن خلال معرفتي به وبالاستخبارات أعرف أنهم لا يكذبون أو يقدمون وقائع غير مؤكدة، وخصوصا في العلن".
وأكد أنه يتفق مع تصريح رئيس الأركان بخصوص مقتل بدر الدين على يد رجاله، مضيفا" لقد قال ذلك، لأنه راجت شائعات بأن الاستخبارات الإسرائيلية قتلته (بدر الدين)، وسعى رئيس الأركان إلى تفنيد هذه الشائعات والمزاعم، ولذلك قال إنه عمل داخلي (مقتل قائد ميليشيات حزب الله على أيدي رجاله)".
ويتفق يوسي ميلمان أيضا مع مدير المرصد السوري بشأن وجود "اختراق" في ميليشيات حزب الله لكنه ينفي تورط إسرائيل.
ويوضح فكرة الاختراق: "بالفعل، حزب الله جرى اختراقه من قبل الاستخبارات الإسرائيلية وأجهزة استخبارات عربية وغربية. في السياق الإسرائيلي، نرى ذلك أمام أعيننا أكثر من مرة من خلال المعلومات التي تبث علنا حول خطط حزب الله وقدراته، وقد تجلى ذلك أيضا في عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة".
وكان نتانياهو قد قال في خطابه، الذي ألقاه أمام المنظمة الدولية في سبتمبر الماضي، إنه يوجد لدى ميليشيات حزب الله مصنع لرفع دقة الصواريخ قرب مطار بيروت الدولي، الأمر الذي نفته الحكومة اللبنانية.
محاولة اغتيال في 2015
لكن الذي لم يقله ميلمان أو رئيس الأركان أو نتانياهو أو حتى حزب الله نفسه، أن بدر الدين نجا من محاولة اغتيال إسرائيلية في اللحظات الأخيرة في 18 يناير 2015 في القنيطرة السورية.
وقتل في هذه المحاولة، التي نفذت بطائرة من دون طيار، جنرال إيراني و6 من عناصر الميليشيات، من بينهم، جهاد ابن عماد مغنية والقيادي محمد عيسى، وذلك وفق ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، نقلا عن مصادر استخبارية، في تقرير مطول عن بدر الدين في عام 2015، بصفته أبرز المتهمين في اغتيال الحريري.
وتظهر هذه الواقعة أن بدر الدين لم يكن بعيدا عن أعين إسرائيل وعملائها، رغم الإجراءات الأمنية المشددة التي يتخذها حتى مع عناصر حزبه وقوات النظام السوري.
"حيّ حتى الأمس القريب"
لكن في رواية مختلفا تماما عما سبق، نشر موقع "بيروت أوبزرفر" تقريرا في 26 سبتمبر الماضي، قال فيه نقلا عن مصدر استخباري غربي، لم يكشفه، أن بدر الدين لم يمت، وشوهد في اليمن منذ 6 أشهر، ويقيم هناك بجواز سفر سوري مزوّر باسم "صلاح محي الدين".
وأضاف الموقع أن بدر الدين "تنقل أيضا بين دول أوروبية وعربية بجوازات سفر أخرى".
وفي حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية"، يقول أحد مسؤولي "بيروت أوبزرفر" ، خالد نافع، نقلا عن مصادر خاصة للموقع، أنه تم رصده مغادرا اليمن، بعد أن أمضى عدة أشهر هناك.
وأضاف: "قد يكون اختار اليمن لأنه مكان آمن و طبيعي له خاصة أن عاملي البيئة والدين يساعدان كثيرا في اندماجه وتخفيه داخل المجتمع هناك ناهيك عن العامل الأمني حيث و بلا شك أن الوضع الأمني هناك وامتداد النفوذ الإيراني بالطبع يجعل من اليمن الأفضل له لكن أيضا اليمن هو سيف ذو حدين فقد يكون أيضا من أخطر الأماكن الممكن أن يتواجد فيها".
ويشكك نافع في رواية حزب الله بشأن مقتل بدر الدين، ويضيف: "التشكيك في أي رواية صادرة عن حزب الله دائما موجود فهو ليس حزب سياسي بل ميليشيا منظمة".
ولم يعلق الحزب حينها على التقرير، ذلك أنه نادرا ما يعلق على موضوعات كهذا، وفق نافع.
ويعلق الصحفي على الروايات التي تؤكد قتل بدر الدين قرب مطار دمشق: "ربما حاول الحزب تصفيته لإقفال هذا الملف (اغتيال الحريري)"، قائلا في الوقت ذاته: "من المؤكد أنه كان حيا حتى الأمس القريب".
لكن إذا ما عرف أن بدر الدين على قيد الحياة ورصد مكانه فلماذا لا يتم توقيفه؟، يجب نافع: "الرصد لا يعني أنهم يعلمون مكان تواجده، على الأغلب هي متابعة لأثره عبر مشاهدات أو اتصالات يجريها مع أشخاص آخرين".
وأضاف نافع أن المعلومات مصدره تشير إلى أن بدر الدين يملك جواز سفر تركي، لكن "هل ذهب إلى تركيا؟ لا أحد يعلم".
ووصف قائد ميليشيات حزب الله العسكري بـ"الشبح"، مضيفا: "كان كالشبح تماما حتى مع القيادات الاستخبارية في الحزب"، معربا في الوقت ذاته عن اعتقاده أن بدر الدين أصبح خارج العمل العسكري في حزب الله.
ويتابع: "بدر الدين استخباري مخضرم، ويدرك تماما أهمية دوره في عملية اغتيال (الحريري)، وارتباط الحزب الدامغ في العملية، وما يمكن أن يحدث في حال تم القبض عليه، وبالتالي إمكانية تصفيته واردة جدا".
كيف اقتنعت المحكمة الدولية بلبنان بمقتل بدر الدين؟
وفي 11 يوليو 2016، أي بعد نحو الشهرين من إعلان اغتيال بدر الدين، أوقفت غرفة الدرجة الأولى بالمحكمة، الإجراءات ضد بدر الدين بعد اقتناعها بأنه "قد توفي ولكن من دون أي ضرر، أي مع إمكانية استئناف الجلسات ضده لو تبين انه كان لا يزال على قيد الحياة".
وأجابت الناطقة باسم المحكمة الدولية وجد رمضان، على أسئلة "سكاي نيوز عربية"، بشأن كيفية اقتناع المحكمة بمقتل المتهم الرئيسي في جريمة اغتيال الحريري، وبالتالي إسقاط اتهامه، مشيرة إلى أن الأدلة المقدمة للمحكمة لم تكن "محل نزاع بين الفرقاء في الإجراءات".
وأوضحت رمضان: "كانت الأدلة المقدمة تتعلق بصورة رئيسية بإعلان الوفاة (نعي من حزب الله وأسرة السيد بدر الدين، وبيانات صادرة عن حزب الله، وبيان صادر عن نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، عبد الأمير قبلان، ومقتطفات من بث لتلفزيون المنار في 13 مايو 2016 يتضمن شريطا إخباريا في أسفل الشاشة مفاده أن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري قد اتصل بالأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لتقديم تعازيه)، ومراسم التشييع في 13 مايو 2016 (مقتطفات فيديو مختلفة تُظهر الصلاة على الجثمان بحضور شقيقَي بدر الدين)".
وتابعت: "بالإضافة إلى مراسم عزاء أخرى أقيمت في بيروت في 13 و20 مايو بحضور مسؤولين لبنانيين ومسؤولين من حزب الله، بما يشمل وزراء ودبلوماسيين أجانب، وفي دمشق في 18 مايو 2016، وأخيرا حفل تكريمي أقيم في طهران في 25 مايو، وحضره ابن بدر الدين وشقيقه، وأهدى في أثنائه خامنئي خاتمه لابن بدر الدين، وهو علي مصطفى بدر الدين".
ورأت غرفة الاستئناف في قرارها أن "من المتعارف عليه أنه يجب على أي غرفة أن تطبق نهجا شموليا على تقييمها للأدلة وأن تقيّم كل الأدلة مجتمعة فيما يتعلق بالمسألة المطروحة، بدلا من أن تطبّق معيار الإثبات الملائم على الأدلة منفصلةً وبنهج تجزيئي".
وتناولت غرفة الاستئناف طبيعة الأدلة المقدمة وتعاقبها من إعلان الوفاة ومراسم التشييع حتى مجالس العزاء، وأخذت في اعتبارها أن هذه الأدلة لم تكن في الواقع محل نزاع بين الفرقاء في الإجراءات، مما يعني أنه لا توجد في السجل أدلة تشير إلى إعلان كاذب عن الوفاة. وهذا النهج الشمولي دفع قضاة غرفة الاستئناف إلى الاستنتاج أن وفاة بدر الدين قد أُثبتت إثباتا كافيا بميزان الاحتمالات.
وقالت إن المحكمة، على غرار أي محكمة جنائية دولية، لا تستطيع أن تمارس اختصاصها على أشخاص متوفين أو أن تواصل إجراءات جنائية بحقهم، لذلك رأت غرفة الاستئناف أن من الملائم أن توعز إلى غرفة الدرجة الأولى بوقف الإجراءات القائمة ضد بدر الدين وقفا غير مانع، ويُقصد بعبارة "غير مانع" أنه يمكن معاودة الإجراءات إذا قدمت في المستقبل أدلة على أن بدر الدين ما زال على قيد الحياة.
وعليه، أوقفت الإجراءات التي كانت قائمة ضدبدر الدين في 11 يوليو 2016 قبل أن تقيّم غرفة الدرجة الأولى الأدلة المقدمة ضده وقبل أن يُتخذ قرار بشأن ما إذا كان مذنبًا أو بريئًا من التهم الموجهة إليه.
وردا على سؤال بشأن ما إذا كانت المحكمة على علم بالتقرير الذي تحدث عن أن بدر الدين حي، وقالت رمضان: "نحن، بموجب سياستنا العامة، لا نعلّق على التكهنات المنشورة في وسائل الإعلام. أوقفت الإجراءات التي كانت قائمة ضد بدر الدين في 11 يوليو 2016".
لكنها استدركت: "غير أن اسم بدر الدين لا يزال مدرجا في قرار الاتهام بصفته شريكا مزعوما في المؤامرة. ورأت غرفة الدرجة الأولى أنه لا يمكنها أن تفصل الأدلة المتصلة ببدر الدين عن تلك المتصلة بالمتهمين الأربعة الآخرين، لأن التهم تتعلق بمؤامرة. وقد عرض المدعي العام دور بدر الدين في المؤامرة. أما تقييم الأدلة في هذا الشأن فمسألة قضائية تفصل فيها غرفة الدرجة الأولى في الحكم الذي تصدره".
الخلاصة
ثلاثة من أصل أربعة مصادر تحدثنا معها في هذا التقرير تؤكد مقتل بدر الدين، لكن الاختلاف في حيثيات مقتل هذا الشخص، فيما تبدو فرضية بقاءه على قيد الحياة ضعيفة، والأهم أن رواية حزب الله بشأن مقتل قائده بعيدة كل البعد عن الواقع.
ومن الواضح أن ثمة شيئا ما وقع في مطار دمشق الدولي يوم 12 مايو، وأن بدر الدين قتل على الأرجح، لكن هل كان الأمر خرقا كبيرا، سعى حزب الله إلى التكتم عليه؟: خيار وارد، أو أن الحزب سعى إلى طي صفحة بدر الدين لأسباب عدة، وارد أيضا، لكن المؤكد أن ملفه في المحكمة الدولية أصبح من الماضي.
والأمر الآخر الذي يمكن الجزم به، الآن، أن الحزب تعرض إلى اختراق كبيرا في مستوى القيادة أو بالقرب منها، والدليل محاولة اغتيال بدر الدين عام 2015، وقتله أو إصابته في 2016.
التسلسل الزمني لبدر الدين مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان:
1. أصدرت المحكمة الخاصة بلبنان قرار اتهام بحق مصطفى بدر الدين في 10 يونيو 2011.
2. صدر عن غرفة الدرجة الأولى في 1 فبراير 2012 قرار بإجراء محاكمة غيابية، ضد بدر الدين والمتهمين الآخرين: سليم عياش، وحسين عنيسي، وأسد صبرا.
3. بدأت محاكمة بدر الدين وثلاثة أشخاص آخرين (سليم عياش، حسين عنيسي، وأسد صبرا) في 16 يناير 2014. وبُعيد ذلك، صدر قرار اتهام بحق شخص خامس، هو حسن مرعي، وضُمَّت قضيته إلى قضية عياش وآخرين.
3. عقب نشر التقارير الإعلامية عن مقتل بدر الدين في 13 مايو 2016، قام فريق الدفاع عنه والادعاء بعرض أدلة أمام القضاة فيما يتعلق بوفاة بدر الدين المزعومة، في خلال جلسة عُقدت في 17 مايو.
وأدلى الادعاء وفرق الدفاع والممثلون القانونيون للمتضررين أيضا بملاحظاتهم بشأن ما إذا كانت الأدلة المقدمة كافية للاستنتاج أن المتهم بدر الدين قد توفي.
4. في 11 يوليو 2016، أوقفت المحكمة الإجراءات ضد العقل المدبر بعد اقتناعها بأنه قد توفي ولكن من دون أي ضرر، أي مع إمكانية استئناف الجلسات ضده لو تبين أنه لا يزال على قيد الحياة.