بإنتاج أميركي إسرائيلي مشترك، صدر فيلم " الملاك"، الذي قدمته شبكة نتفليكس ويروي قصة أشرف مروان سكرتير الرئيس المصري الراحل أنور السادات وزوج كريمة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ليثير جدلا واسعا.
فالفيلم يعتمد الرواية الإسرائيلية عن دور مروان كجاسوس عمل لصالح إسرائيل وقدم لها خدمات استخباراتية جليلة.
وقد أثار الفيلم، الذي استمر تصويره لنحو عام، وعرض الأسبوع الماضي، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والفنية المصرية سواء من ناحية الدور الحقيقي لمروان أو من ناحية الأهداف، التي تسعى إسرائيل لتحقيقها من إنتاج الفيلم وإذاعته.
كما امتد الجدل إلى المستوى الفني، الذي ظهر به الفيلم، والذي يعكس من وجهة نظر قطاع من صناع السينما، تهافتا واضحا على الرواية الإسرائيلية.
الدور الحقيقي لأشرف مروان
والواقع أن الجدل بشأن دور أشرف مروان وما إذا كان بطلا قوميا مصريا ساهم في خطة الخداع الاستراتيجي قبيل حرب أكتوبر، أم أنه كان عميلا لإسرائيل ليس جديدا، لذلك، ما هو دور الفيلم المأخوذ عن كتاب "الملاك ..الجاسوس الذي انقذ إسرائيل"؟
ولم يكن للكاتب الإسرائيلي، أوري بار جوزيف، دور في هذا الجدل سوى أنه أعاد من جديد طرح اسم مروان على طاولة البحث والنقاش.
ففي عام 1993، أصدر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل، إيلي عيزرا، كتابا ذكر فيه أن إسرائيل وقعت ضحية عميل مزدوج، والذي كان سببا في فشل إسرائيل بالتنبؤ بموعد حرب أكتوبر.
وعلى الرغم من أن عيزرا لم يذكر اسم أشرف مروان، إلا أن صحفا إسرائيلية أشارت له ولدوره. وبعدها، تعددت الروايات الإسرائيلية بشأن دور أشرف مروان وما إذا كان عميلا مزدوجا خدع إسرائيل أو كان جاسوسا عمل لصالح إسرائيل، وهي الرواية التي تبناها كتاب أوري بار جوزيف والتي اعتمد عليها الفيلم.
محاولة استفزازية
ويرى الباحث المتخصص في الشئون الإسرائيلية، أحمد فؤاد، في مقابلة مع "سكاي نيوز عربية" أن هدف إسرائيل من تقديم هذا الفيلم والترويج لتلك "الرواية الساذجة" هو استفزاز مصر ومحاولة جرها للرد على تلك الادعاءات بكشف الدور الحقيقي لأشرف مروان ومن ثم تتمكن إسرائيل من سد ثغرات أمنية لديها، "فقد أحدث نصر أكتوبر صدمة كبرى في الداخل الإسرائيلي، وقد كشفت التحقيقات التي جرت بشأنه مع عسكريين وسياسيين إسرائيليين عن ذلك".
ويضيف فؤاد والمؤكد أن "مروان كان رجلا وطنيا وساهم في نجاح حرب أكتوبر، لذا تسعى إسرائيل لتشويه صورته ودوره".
ويفند فؤاد الرواية الإسرائيلية قائلا: "إذا كان مروان جاسوسا لإسرائيل ولديه معلومات عن موعد حرب أكتوبر كما يزعمون، هل كان سيطلب لقاء رئيس الموساد في دولة أوروبية ليخبره بالموعد ويضيع على الدولة التي يعمل لصالحها يومين قبل أن يبلغها بموعد الحرب عليها؟"
ويتابع: "وإذا كان جاسوسا وهو يعلم موعد الحرب، فهل سيخبر رئيس الموساد بأن موعد الحرب هو قبل حلول المساء، ثم إذا كان مروان راغبا في التجسس لصالح إسرائيل هل كان سيذهب لمقر سفارتهم لطلب لقاء السفير وإعلامه برغبته في التجسس، في وقت كان الزعيم جمال عبدالناصر في الحكم والحرب دائرة بين مصر وإسرائيل على كافة المستويات؟".
وأكد فؤاد أن "كل هذه النقاط تفضح الرواية الإسرائيلية وتكشف زيفها".
ويلقي الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية بمزيد من الضوء على جانب غير معلوم من جوانب دور مروان.
إذ يشير إلى أنه ساهم في تمويل تنظيم "ثورة مصر" وهو تنظيم نشط في مصر بين عامي 1985 و1987، بعمليات استهداف لرجال الموساد الإسرائيلي في مصر.
واتهم نجل الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الأكبر خالد بقياة التنظيم، بينما ألقي على المسؤول السابق بالسفارة المصرية في لندن محمود نور الدين بالمسئولية المباشرة في تنفيذ عملياته.
ويضيف فؤاد أن هذا الأمر أيضا ساهم في تأجيج نيران الغضب في نفوس الأجهزة الإسرائيلية ضد مروان ودوره.
ولم يرد حديث أحمد فؤاد عن دور مروان في تنظيم ثورة مصر في تحقيقات عن التنظيم، غير أن هناك من أشار إلى احتمالية هذا الدور خاصة وأن نور الدين كان قد أخبر عددا من أعضاء التنظيم في مرحلة التجنيد بأن هناك دوائر في السلطة بمصر تدعم هذا التوجه.
فيلم ضعيف ورواية غير متماسكة
وبالعودة إلى فيلم "الملاك"، يرى المنتج السينمائي، محمد العدل، أنه ضعيف على المستوى الفني ويفتقر لكثير من مقومات العمل السينمائي الجيد. ويشارك هذا الرأي المخرج التليفزيوني هيثم البيطار الذي يرى أن الفيلم مفكك وغير متماسك.
وربما يعود هذا الضعف من وجهة نظر العاملين في المجال الفني إلى ضعف الرواية الإسرائيلية التي يتبناها الفيلم.
موقف رسمي
وعلى الرغم من الجدل المثار حاليا بشأن دور مروان، فقد امتنعت الدوائر الرسمية عن التعليق والاستجابة لمحاولات الاستفزاز الإسرائيلية وهو أمر أشاد به خبراء أمنيون كونه يتفق مع قواعد العمل الاستخباراتي التي تشدد على قاعدة ذهبية، وهي "لا تكشف عميلا سابقا لديك".
ويرى هؤلاء أن ما تزعمه إسرائيل، إلى جانب مخالفته لهذه القاعدة الذهبية، يؤكد على أن صناع الفيلم سعوا لترويج تلك الرواية الكاذبة لتشويه صورة مروان.
إشادة رئاسية وجنازة رسمية
وفي نفس السياق، يشير المتابعون لهذا الملف إلى ما قاله الرئيس الأسبق حسني مبارك من أن مروان كان وطنيا مخلصا وقام بالعديد من الأعمال الوطنية "لم يحن الوقت للكشف عنها"، مشددا على أنه لم يكن جاسوسا لأي جهة على الإطلاق، نافيا أنه أبلغ إسرائيل بموعد حرب أكتوبر وذكر أنه لا أساس لذلك من الصحة.
واعتبر الكثيرون أن جنازة مروان في يونيو 2007 حيث لف الجثمان بعلم مصر بينما تقدم الصلاة عليه شيخ الأزهر الراحل الشيخ سيد طنطاوي بحضور كبار رجال الدولة دليلا إضافيا على دور مروان الوطني.