مع إعلان حركة حماس عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة كـ"انتصار للشعب الفلسطيني"، يتجدد الجدل حول أبعاد هذه الخطوة وتداعياتها على المشهد السياسي الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء.
تأتي هذه العودة في ظل تعقيدات سياسية وعسكرية متشابكة، حيث يتصارع الطرفان على تفسير الحدث بما يخدم أجنداتهما.
رؤية فلسطينية.. التمسك بالأرض رغم الدمار
اعتبرت حركة حماس، على لسان عزت الرشق، أن مشهد عودة النازحين إلى شمال غزة يمثل فشلا استراتيجياً لإسرائيل، محطماً ما وصفه بـ"أحلام وأوهام" التهجير الجماعي.
ويرى الكاتب والباحث السياسي، جمال زقوت خلال حديثه لبرنامج الظهيرة على سكاي نيوز عربية أن هذه العودة تحمل دلالات رمزية عميقة.
فمن وجهة نظره، تعكس تجربة الفلسطينيين الذين اقتلعوا من أرضهم في عام 1948 إدراكاً عميقاً لأهمية البقاء والتمسك بالأرض، حتى في ظل الدمار وغياب الخدمات الأساسية.
وأشار زقوت إلى أن العودة إلى البيوت المدمرة دون مياه أو كهرباء ونقص المواد الغذائية تمثل تحدياً كبيراً يعكس إصرار الفلسطينيين على مقاومة مشاريع التهجير.
ويرى أن العودة الجماعية للسكان تشكل هزيمة للمشاريع الاستيطانية الإسرائيلية، التي سعت لتصفية الوجود الفلسطيني.
وأضاف زقوت أن الأحداث الأخيرة، كانت نتيجة تراكم الظلم على الشعب الفلسطيني، مؤكداً أن الحروب لم تحقق أهدافها المعلنة، وأن إرادة الفلسطينيين في الحرية لا يمكن القضاء عليها.
كما شدد على ضرورة الوحدة الوطنية الفلسطينية لمواجهة التحديات، معتبراً أن الانتخابات وتأسيس مؤسسات وطنية قوية هي الطريق لبناء دولة فلسطينية مستقلة قادرة على تقرير مصيرها.
وجهة نظر إسرائيلية.. صراع داخلي وتباين المواقف
على الجانب الآخر، كانت ردود الفعل الإسرائيلية متناقضة، فقد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن تل أبيب ستواصل تطبيق وقف إطلاق النار، مشيراً إلى عدم العودة إلى "واقع ما قبل 7 أكتوبر".
بالمقابل، انتقد وزير الأمن القومي السابق إيتمار بن غفير السماح بعودة النازحين، واصفاً ذلك بـ"الاستسلام الكامل"، داعياً إلى استئناف الحرب في غزة.
ويرى كبير الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي، يوحنان تسوريف، أن عودة النازحين إلى شمال غزة تثير الجدل في الداخل الإسرائيلي، خاصةً مع دعوات بعض المسؤولين المتطرفين لاستئناف العمليات العسكرية وإعادة إنشاء مستوطنات في القطاع.
ويضيف تسوريف أن الموقف الرسمي الإسرائيلي يعتبر أن تهديد غزة قد انخفض منذ أحداث 7 أكتوبر، وأن حماس أصبحت أضعف عسكرياً. لكنه يرى أن الإفراج عن بعض الأسرى الفلسطينيين مجرد "مسرحية" تهدف لتعزيز صورة حماس أمام الجمهور الفلسطيني.
تسوريف أشار أيضاً إلى أن المشكلة الرئيسية لإسرائيل تكمن في قطاع غزة وليس الضفة الغربية، مؤكداً على أهمية مواجهة حماس داخلياً من خلال دعم التيار الوطني الفلسطيني الذي يمتلك قوة قادرة على التصدي لها.
تأثير دولي ودروس مستفادة
على الصعيد الدولي، يرى جمال زقوت أن الولايات المتحدة والدول الغربية بحاجة إلى إعادة تقييم سياساتها الداعمة لإسرائيل، خصوصاً في ظل ما وصفه بخطط الضم والإبادة التي ظهرت بعد 7 أكتوبر.
ويؤكد أن الأحداث الأخيرة لا تعكس فقط دفاعاً عن إسرائيل، بل مخططات حكومية إسرائيلية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
صراع إرادات
بينما يرى الفلسطينيون في عودة النازحين انتصاراً رمزياً يرسخ تمسكهم بالأرض، يعتبر بعض الإسرائيليين هذه الخطوة هزيمة سياسية قد تعكس انقسامات داخلية أعمق.
من جهة، تسعى إسرائيل لتقديم نفسها كمنتصر، ومن جهة أخرى، تواجه ضغوطاً داخلية تتعلق بالتعامل مع حماس وتداعيات سياساتها في غزة.
ويبقى المشهد مفتوحاً على احتمالات متعددة، حيث يتداخل السياسي والإنساني في قصة صراع طويل الأمد. وبينما تمثل عودة النازحين خطوة رمزية مهمة، فإن المستقبل القريب سيحدد ما إذا كانت هذه العودة بداية لتغيير استراتيجي، أم مجرد استراحة مؤقتة في صراع مستمر.