في السنوات الأخيرة، تسعى تركيا إلى لعب أدوار بارزة على الساحة الإقليمية والدولية، متجاوزة حدودها الجغرافية عبر تدخلاتها السياسية والعسكرية.
هذه الأدوار، التي تتفاوت بين السعي لتأمين حدودها من التهديدات الإرهابية وإعادة رسم المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، تثير جدلاً واسعاً، إذ يرى البعض أنها محاولة لإحياء "حلم السلطنة العثمانية"، بينما يصفها آخرون بأنها تحركات لتحقيق استقرار حقيقي في المنطقة.
تركيا وسوريا.. الأمن القومي في المقدمة
سوريا، الجارة الأقرب، تمثل أهم ساحات النشاط التركي. يقول النور شفيق، عضو لجنة الأمن والسياسات الخارجية في الرئاسة التركية، خلال حديثة لبرنامج "ستوديو One مع فضيلة"، إن هدف تركيا الأساسي هو تأمين حدودها من العناصر الإرهابية القادمة من سوريا، مع الحفاظ على وحدة سوريا كدولة ذات سيادة.
يرى شفيق أن وجود سوريا قوية ومستقرة يخدم مصالح أنقرة في تعزيز الأمن الإقليمي وضمان علاقة إيجابية مع دولة مجاورة.
منذ بداية الصراع السوري، لعبت تركيا أدوارًا متعددة.
فقد دعمت قوى المعارضة السورية وسعت لإسقاط نظام بشار الأسد، لكنها تجد نفسها الآن أمام مشهد معقد يتطلب التوازن بين حماية حدودها ومنع أي تهديدات محتملة من القوات الكردية، التي تعتبرها أنقرة امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابيًا.
"تركيا لن تبقى في سوريا إذا استقرت الأوضاع"، يقول شفيق، مؤكدًا أن بلاده مستعدة لنقل خبراتها ودعم الشعب السوري في إعادة بناء دولتهم.
الأكراد وداعش: معادلة معقدة
يعتبر التهديد الكردي محورًا رئيسيًا للسياسة التركية في سوريا. يشير شفيق إلى أن "القوات الكردية، التي كانت تتمتع بحرية الحركة خلال فترة نظام الأسد، أصبحت مصدر قلق دائم لتركيا".
وتواجه أنقرة أيضًا تهديد تنظيم داعش، حيث يطالب المسؤولون الأتراك المجتمع الدولي بمساعدتهم في القضاء على عناصر هذا التنظيم، الذي يرى فيه شفيق تهديدًا للاستقرار الإقليمي.
رؤية ديمقراطية لسوريا؟
ترى أنقرة، وفقًا لشفيق، أن "الشعب السوري هو الذي يجب أن يقرر مستقبله السياسي"، مع التأكيد على ضرورة صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات حرة.
هذا الطرح يحمل طموح تركيا في رؤية سوريا ديمقراطية ومستقلة، وهو ما يصفه شفيق بأنه خطوة أساسية نحو بناء نظام سياسي قوي، يعيد سوريا إلى الخارطة الإقليمية كدولة فعالة.
حلم العثمانية أم استراتيجية عقلانية؟
يرى مراقبون أن تحركات تركيا في المنطقة تعكس طموحات الرئيس رجب طيب أردوغان لإحياء نفوذ بلاده التاريخي، مستندًا إلى الإرث العثماني.
لكن شفيق ينفي هذه المزاعم، مشددًا على أن "تركيا ليست لديها نوايا استعمارية في سوريا أو أي دولة أخرى"، مشيرًا إلى أن السياسة التركية تهدف لتحقيق الأمن والاستقرار فقط.
في المقابل، يرى معارضو هذه الرؤية أن التوسع التركي في مناطق مثل إدلب وشمال سوريا يعكس رغبة خفية في الهيمنة، خاصة مع استمرار وجود القوات التركية في هذه المناطق ورفضها الانسحاب حتى الآن.
تركيا والعالم.. أدوار متعددة
لا تقتصر الأدوار التركية على سوريا. أنقرة نشطة في ملفات إقليمية ودولية أخرى، منها ليبيا، شرق المتوسط، وأفريقيا، حيث تسعى لتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي.
ومع ذلك، تواجه هذه التحركات انتقادات من دول كبرى ومنظمات دولية تتهم تركيا بزعزعة الاستقرار، في حين تصر أنقرة على أن تدخلاتها تأتي ضمن إطار التعاون الدولي وحماية مصالحها القومية.
بينما تسعى تركيا لترسيخ أدوارها الإقليمية، تواجه تحديات كبيرة، أبرزها التوترات مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، إلى جانب معارضة دول عربية لتحركاتها في المنطقة.
ومع ذلك، يبدو أن تركيا عازمة على مواصلة لعب دور المحور الفاعل، سواء كان ذلك تحت مظلة الأمن القومي أو بدوافع أعمق تستند إلى طموحات تاريخية.