مع تولي الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع زمام الأمور في البلاد، يتطلع السوريون بحذر إلى تنفيذ الوعود التي أطلقها المسؤولون الجدد.
وما بين تعهدات تعزيز الثقة الوطنية وعدم بناء البلاد على أكتاف الفصائل المسلحة، وبين الوقائع على الأرض التي تعكس استمرار العمليات الأمنية وتوترات طائفية وعرقية، يتساءل المواطن السوري والمراقب الدولي عن مدى جدية الإدارة في ترجمة أقوالها إلى أفعال ملموسة.
أقوال الشرع والوعود الكبيرة
في خطاباته، أطلق أحمد الشرع، قائد الإدارة الجديدة، وعودا طموحة لتعزيز المواطنة والتعددية في سوريا الجديدة.
وأبرز تلك الوعود كان السعي لإشراك النساء في كافة المجالات، ودمج الأكراد في الجيش، وإطلاق مبادرات لمصالحة مجتمعية تشمل كافة أطياف الشعب السوري.
كما أكد الشرع على رفض أي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية، إلا أن أفعاله على الأرض تثير تساؤلات حول مدى انسجام الأقوال مع الواقع.
الأفعال على الأرض: تناقضات وتحديات
بينما تعلن الإدارة عن رغبتها في تحسين العلاقات مع الأقليات ومعالجة التوترات الطائفية، فإن استمرار العمليات الأمنية يثير القلق، خاصة في المناطق ذات الأغلبية العلوية والكردية.
وأشار الباحث في مركز كاندل للدراسات عباس شريفة خلال حديثه لسكاي نيوز عربية إلى أن الساحل السوري ما زال يعاني من وجود عصابات مسلحة وعناصر من النظام السابق تحمل السلاح، مما يزيد من مخاطر الفوضى الأمنية والفتنة الطائفية.
وأضاف شريفة: "اعتقال أكثر من عشرة جنود من جهاز الأمن العام بتهمة ارتكاب جرائم حرب يُظهر توجها جديدا للمحاسبة القانونية، إلا أن غياب المحاكم الخاصة حتى الآن يترك الباب مفتوحا للتأويلات بشأن عدالة هذه الإجراءات".
كما أكد شريفة أن التسويات مع المجموعات المسلحة تواجه عقبات كبيرة بسبب رفض بعض الفصائل التخلي عن السلاح.
مخاوف دولية من التدخل الأجنبي
على الرغم من تعهد الإدارة الجديدة برفض التدخل الأجنبي، فإن تعيين مقاتلين أجانب في الجيش يثير مخاوف دولية متزايدة.
وفي هذا الصدد، أوضح الباحث في مركز الشرق الأوسط بواشنطن سمير تقي أن وجود الأجانب في الجيش يعقد الوضع الأمني ويثير تساؤلات حول قدرة الإدارة على فرض سيادتها الوطنية.
وقال تقي لسكاي نيوز عربية إن: "وجود الآلاف من المتطرفين الأجانب الذين يخططون لاستهداف بلدانهم من خلال المنصة السورية يهدد مستقبل البلاد".
التوترات الطائفية والمجتمعية
تعد التوترات الطائفية من أبرز التحديات التي تواجه الإدارة الجديدة.
ومع تزايد المخاوف داخل الطائفة العلوية من استهداف جماعي بسبب ما نُسب للنظام السابق من تجاوزات، تسعى الإدارة لعقد لقاءات مع وجهاء الطائفة لتهدئة الأوضاع.
ورغم ذلك، فإن الاغتيالات المستمرة، مثل مقتل رئيس المبادرة الوطنية للمصالحة جابر عيسى، تثير تساؤلات حول قدرة الإدارة على حماية الشخصيات السياسية والمبادرات الساعية لردم الهوة بين المكونات المختلفة.
وفي تحليله للمشهد، أكد تقي على أهمية محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب، مشيرا إلى أن التركيز على الأثرياء العائدين إلى دمشق وتجاهل الفقراء المعتقلين يعكس استمرارية أسلوب النظام السابق في التعامل مع القضايا الاجتماعية.
وشدد تقي على أن: "البلاد بحاجة إلى حوار حقيقي يشمل كافة المكونات الاجتماعية، وليس فقط حصر المحاسبة في قضية صيدنايا أو تجاوزات النظام السابق".
الأكراد ودورهم في المشهد السياسي
تمثل قضية الأكراد تمثل اختبارا رئيسيا للإدارة السورية الجديدة، ورغم الإعلان عن انفتاح الإدارة على دمج الأكراد في الجيش وإشراكهم في المشهد السياسي، فإن الخطوات الملموسة على هذا الصعيد لا تزال غائبة.
ووفق شريفة فإن مفاوضات جرت بين الإدارة الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية، وطرح الشرع خارطة طريق لحل الأزمة، إلا أن تحديات الهوية والحقوق القومية في منطقة ذات أغلبية عربية تعيق التوصل إلى حلول شاملة.
وما بين الخطاب الطموح والصراعات المتعددة، تظل تساؤلات السوريين والمجتمع الدولي مفتوحة حول ما إذا كانت سوريا الجديدة ستنجح في بناء دولة قائمة على المواطنة والتعددية أم ستكرر أخطاء الماضي.
وفي النهاية، يبقى مصير الإدارة الجديدة مرهونا بمدى قدرتها على معالجة التوترات الداخلية وترسيخ العدالة والمساواة في بلد مزقته الحروب والتدخلات الأجنبية لعقود.