تقف سوريا اليوم في مفترق طرق حساس، حيث تسعى لاستعادة دورها الإقليمي والعربي في ظل واقع سياسي واقتصادي معقد.
بينما تتطلع الحاضنة العربية لدعم جهود إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار، تواجه الإدارة الجديدة تحديات كبرى، أبرزها ملفات المفقودين، مخلفات الحرب، وإعادة بناء مؤسسات الدولة. كيف يمكن لسوريا تجاوز هذه المرحلة؟ وما الذي تعنيه مخرجات اجتماعات العقبة لهذا التحول؟.
ملف المفقودين.. تحدٍ إنساني وسياسي
الملف المتعلق بالمفقودين يُعتبر من أبرز القضايا الحساسة التي تواجه الحكومة الجديدة في سوريا. ووفقًا لما صرح به وزير الإعلام السابق مهدي دخل الله خلال حديثه مع سكاي نيوز عربية، فإن تأسيس مكتب مختص للتعامل مع قضية المفقودين بالتعاون مع المنظمات الدولية يعد خطوة مهمة، ولكنه لا يزال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام الدولي بهذا الموضوع.
ويشير دخل الله إلى أن "هناك إشارات لاكتشاف قبور جماعية في سوريا، لكن غياب هيئة متخصصة يعقّد هذه القضية الحساسة". الملف ليس إنسانيًا فحسب، بل يحمل أبعادا سياسية عميقة، إذ يعكس مدى جاهزية الحكومة الجديدة لمعالجة إرث الحرب وتحقيق العدالة الاجتماعية.
مخلفات الحرب قنابل موقوتة تهدد المستقبل
تتفاقم مشكلة الذخائر غير المنفجرة والألغام الأرضية، التي تُمثّل تركة ثقيلة تهدد حياة المدنيين. محمد سامي المحمد، منسق برنامج إزالة مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري، أكد لغرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية أن "المساحة الشاسعة لانتشار الألغام والذخائر تتطلب تدعيم فرق الخوذ البيضاء بإمكانيات إضافية وتدريبات متقدمة".
توضح الأرقام حجم الكارثة، حيث تعاملت فرق الدفاع المدني مع 900 نوع مختلف من الذخائر خلال أربعة أسابيع فقط بعد سقوط النظام. ويضيف المحمد: "الذخائر تشمل القنابل العنقودية وحقول ألغام عشوائية منتشرة في مناطق مثل حلب، إدلب، ودير الزور، مما يجعل التحديات التقنية والميدانية أكثر تعقيدًا".
الحاجة إلى رؤية شاملة
الباحث في مركز كاندل، عباس شريفة، يرى أن "إعادة بناء الكوادر الحكومية والمؤسسات لا تزال في مراحلها الأولى، مع ضرورة توحيد البلاد وضبط الأمن كشرط أساسي لتحقيق الاستقرار السياسي".
ويُشدد شريفة على أهمية تشكيل جيش متخصص لإزالة الألغام والذخائر، معتبراً أن "معالجة القضايا الجزئية دون وجود عملية سياسية فعالة سيؤدي إلى مزيد من الفشل".
كما يلفت الانتباه إلى الحاجة الماسة لتقديم مساعدات دولية لدعم جهود فتح القبور الجماعية، مشيرًا إلى أن "إجراءات الحكومة الحالية تمنع التنقيب في بعض السجون السرية مثل سجن صيدنايا، مما يعطل التقدم في هذا الملف الحساس".
الدور العربي ومخرجات العقبة
شهدت اجتماعات العقبة مناقشات مكثفة بشأن الوضع السوري، حيث تسعى الدول العربية لتحديد دورها في المرحلة الانتقالية. ويشير دخل الله إلى "أهمية مصر في السياق العربي"، مسلطًا الضوء على النقاشات الأخيرة بين وزير الخارجية الأميركي ونظيره المصري حول ضرورة تحقيق تسوية شاملة تشمل جميع الأطراف.
في السياق ذاته، يبرز دعم الدول الخليجية، مثل قطر والإمارات، لإعادة بناء البنية التحتية في سوريا، بينما لا يزال الترقب سيد الموقف بشأن مدى قدرة هذه المبادرات على تحقيق نتائج ملموسة.
بينما تتطلع سوريا إلى تعزيز مكانتها الإقليمية، تحتاج الإدارة الجديدة إلى اتخاذ خطوات عملية لمعالجة الملفات العالقة. يبقى ملف المفقودين ومخلفات الحرب محورًا رئيسيًا يتطلب تعاونًا دوليًا وإقليميًا واسعًا.
يشدد الخبراء على ضرورة صياغة رؤية شاملة تعطي الأولوية لتوحيد البلاد، تعزيز الاستقرار السياسي، وإعادة بناء المؤسسات. وكما قال عباس شريفة: "دون تنظيم العمل وتحديد الأولويات، ستواجه سوريا خطر الفشل في تحقيق تطلعات شعبها".