يتجه المغرب مع بداية السنة الجديدة إلى تطبيق قرار فرض الضريبة على مداخيل صناع المحتوى، حيث أعلن وزير الميزانية، فوزي لقجع، عن إدراج صنف جديد من الدخول الخاضعة للضريبة في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2025.
ومن بين الفئات المشمولة بهذا الإجراء، صناع المحتوى والمؤثرون على منصات التواصل الاجتماعي، في تحول لافت يعكس تطور السياسة الضريبية بالمملكة لمواكبة الاقتصاد الرقمي الحديث.
تفاصيل القرار
يشمل هذا الإجراء فرض ضريبة على المداخيل التي يحققها المؤثرون وصناع المحتوى، الذين كانوا سابقا خارج إطار الضرائب بحكم أن أغلب مداخيلهم تأتي من منصات أجنبية.
ووفقا للقانون الجديد، سيتم تصنيف مداخيلهم ضمن جدول ضريبي يتراوح بين 0 بالمئة و38 بالمئة، حسب قيمة الدخل، مع إلزامية الحجز من المصدر بنسبة تصل إلى 30 بالمئة لبعض الفئات مثل مكاسب ألعاب الحظ.
لكن اللافت، كما أشار صانع المحتوى المغربي مصطفى سوينغا، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، هو الغموض الذي يكتنف آليات التطبيق، خصوصا فيما يتعلق بتحديد الأرباح الصافية للمؤثرين بعد احتساب المصاريف المتعلقة بالإنتاج مثل المعدات، والتنقل، وتكاليف الاستوديو.
أهمية الإجراء
وحسب الخبراء الإقتصاديين، فإن هذا القرار يشكل تقدما نحو تحقيق العدالة الضريبية وترسيخ مبدأ المساواة أمام القانون، كما يهدف إلى تعزيز مداخيل الدولة من خلال توسيع الوعاء الضريبي.
ويوضح الخبير الاقتصادي رشيد ساري أن المؤثرين، مثلهم مثل بقية الأفراد والشركات، يستفيدون من الأمن والبنية التحتية في المغرب، ومن ثم فإن أداء الضريبة يُعتبر واجبًا وطنيا.
وتابع ساري في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن صناع المحتوى بما أنهم أشخاص ذاتيون، سيخضعون للضريبة على كل المداخيل وليس على الأرباح.
ويضيف أنه في حال وجود مصاريف فإن على المعنيين أن يؤسسوا حالة ضريبية، مثل إجراء "المقاول الذاتي" أو شركة، حتى يتمكنوا من إصدار فواتير تتضمن كشفا مفصلا لرقم معاملات، تجتزأ منه الأرباح.
وإلى جانب ذلك، قد يسهم فرض هذه الضريبة التي شرع المغرب في التفكير بتنفيذها منذ 2013، في تحسين جودة المحتوى الرقمي، حيث سيتم تصفية السوق من المحتوى الرديء لصالح محتوى أكثر احترافية وإفادة، وفقا للخبير الإقتصادي.
مخاوف وتحديات
ورغم الأهداف الإيجابية، أثارت هذه الخطوة مخاوف لدى البعض، خاصة بشأن الشفافية في التنفيذ، حيث يرى العديد من صناع المحتوى أن غياب إطار واضح لتحديد الأرباح قد يؤدي إلى التباسات ومشاكل مع الإدارة الضريبية.
وأشار مصطفى سوينغا الذي رحب بهذه الخطوة التي تسير باتجاه تكريس المساواة أمام القانون الضريبي، إلى أنه ينبغي توضيح الآليات التقنية لتنفيذ الخصم الضريبي الجديد، حتى لا يكون مجحفا في حق بعد صناع المحتوى.
بدوره، أكد ساري أن الجهات الضريبية ستحتاج إلى تعزيز تعاونها مع المؤسسات المالية مثل بنك المغرب ومكتب الصرف لرصد التحويلات بالدقة المطلوبة.
الإصلاح الضريبي
وتندرج هذه الخطوة ضمن استراتيجية أوسع للإصلاح الضريبي بالمغرب، التي بدأت منذ 2023 وتهدف إلى تحسين المداخيل الضريبية دون زيادة الضغط على الفئات الأضعف.
وأوضح وزير الميزانية فوزي لقجع أن الإجراءات الجديدة، مثل تحسين الفوترة ومكافحة التهرب الضريبي، رفعت مداخيل الدولة من 201 مليار درهم في 2021 إلى أكثر من 329 مليار درهم متوقعة في 2025.
وحسب المتتبعين فإن فرض الضريبة على صناع المحتوى في المغرب يعد تحولا مهما يعكس إدراك الحكومة لواقع الاقتصاد الرقمي، غير أن نجاح هذا القرار الذي يمثل خطوة نحو المساواة والعدالة الضريبية، يتطلب وضوحا في آليات التطبيق لضمان تحقيق أهدافه دون الإضرار بالفئات المستهدفة.