مع تصاعد وتيرة الأحداث في سوريا، تشهد الساحة الميدانية هجوماً واسعاً لقوات المعارضة المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام في إدلب وحلب. هذه التطورات تطرح تساؤلات جدية بشأن إمكانية إعادة رسم خرائط النفوذ داخل سوريا، وسط اشتباكات عنيفة وتدخلات إقليمية ودولية.
في هذا السياق، ناقشت "سكاي نيوز عربية" هذه القضية بمشاركة الباحث في الشؤون الخارجية، جاستن توماس راسل.
التداعيات الإقليمية.. تصاعد المخاوف الإيرانية
افتتح النقاش بسؤال راسل عن قراءته للوضع الراهن في سوريا، خاصة مع توارد أنباء عن انسحاب القوات السورية من بعض المناطق، حيث رد قائلاً: "الوضع الحالي يعكس توتراً كبيراً بين القوى الإقليمية.. إيران، التي تعتبر داعماً رئيسياً للحكومة السورية، تخشى خسارة نفوذها، لا سيما مع تصاعد الضغوط على حلفائها في لبنان وسوريا. أما العراق، فهو يسعى لإغلاق حدوده مع سوريا خوفاً من تسلل المسلحين إلى أراضيه".
وأشار راسل إلى أن إسرائيل تلعب دوراً محورياً في التأثير على مجريات الأمور، معتبراً أن "تل أبيب تسعى للاستفادة من التطورات لإضعاف الوجود الإيراني في سوريا، مستغلة التوترات الإقليمية".
روسيا وتركيا.. بين المصالح المتداخلة والصراعات المحتملة
وعن مدى استعداد موسكو للحفاظ على حليفها بشار الأسد في ظل التصعيد الحالي. وفي هذا الإطار، أوضح جاستن توماس: "روسيا، التي تدعم الحكومة السورية بقوة، تواجه تحديات كبيرة بسبب انشغالها بالحرب في أوكرانيا.. الاستخبارات الروسية، المستنزفة بفعل الحرب، قد تكون أخفقت في التنبؤ بهذا الهجوم المباغت".
وأضاف: "أما تركيا، فهي ترى في هذه التطورات فرصة لتعزيز نفوذها في شمال سوريا".
التشابك الأميركي والإسرائيلي
حول الموقف الأمبركي من التطورات، قال راسل إن الولايات المتحدة تنظر إلى الوضع بحذر، مشيراً إلى أن إدارة بايدن لا ترغب في التورط المباشر، لكنها تدرك أن أي تصعيد في سوريا قد يؤثر على المصالح الأميركية في المنطقة.
وأصاف: "الإدارة الأمريكية تواجه معضلة كبيرة في التعامل مع الوضع السوري، لا سيما مع اقتراب عودة ترامب إلى البيت الأبيض، الذي قد يتبنى سياسات مختلفة تماماً تجاه الأزمة السورية".
وفيما يتعلق بإسرائيل، أشار راسل إلى أن تل أبيب قد تكون استفادت من هذا التصعيد لإضعاف النفوذ الإيراني في سوريا، لكنه استبعد أن تكون لها علاقات مباشرة مع هيئة تحرير الشام، قائلاً: "من الصعب تخيل تعاون مباشر بين إسرائيل وهيئة تحرير الشام، لكن المصالح المشتركة في إضعاف إيران قد تلتقي بشكل غير مباشر".
هل يعاد رسم خريطة سوريا؟
ختم النقاش بسؤال راسل عن إمكانية أن تكون هذه التطورات بداية لتقسيم سوريا، حيث رد قائلاً: "التقسيم ليس مستبعداً، خاصة مع تعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين الذين يمتلكون أجندات متضاربة.. ما نراه الآن قد يكون جزءاً من إعادة ترتيب خرائط النفوذ في الشرق الأوسط بأسره، وليس سوريا فقط".
وأضاف: "التطورات الأخيرة تعكس صراعاً واسعاً بين القوى الكبرى لإعادة تشكيل المنطقة وفق توازنات جديدة، ولكن من المبكر الحديث عن تقسيم فعلي".
في ظل التصعيد الميداني والسياسي في سوريا، يبقى السؤال الأهم:
هل نحن أمام إعادة صياغة جديدة للشرق الأوسط أم أن هذه التطورات مجرد فصل جديد في الحرب السورية التي امتدت لعقد من الزمن؟.