لم تعد المدارس في لبنان، مجرد مساحة للتعليم، بل أصبحت ملاذًا للأطفال من مشاهد الدمار والخوف التي تملأ البلاد بفعل الغارات. لكن الواقع المزدوج الذي يجمع بين الحاجة للتعليم الحضوري ومخاطر الصدمة النفسية (التروما) يضع الأهالي، الأطفال، والمدارس أمام تحديات كبيرة خصوصا بعد مشهد الهلع الذي أصاب الأطفال في المدارس القريبة من ضاحية بيروت الجنوبية الثلاثاء وانتشر على وسائل التواصل الاجتماعي.
وكان وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال، القاضي عباس الحلبي، أجاز للمدارس الخاصة بالتعليم عن بعد مع إلزام المدارس التي اختارت التعليم الحضوري بتوقيع تعهّد لتحمل المسؤولية عن أي مخاطر.
وأوضح المستشار الإعلامي للوزير، ألبير شمعون، في اتصال مع موقع "سكاي نيوز عربية" : "أن هذا القرار جاء بسبب تحديات التعليم عن بعد، مشيرًا إلى نقص الكهرباء والإنترنت، وعدم جاهزية الكادر التعليمي."
وأضاف أن وزارة التربية بالتعاون مع "اليونسكو" سوف تعمل على تدريب أكثر من 11,000 معلم لتحسين جودة التعليم الرقمي."
الأثر النفسي على الأطفال
وحول تعرض الأطفال في لبنان لتجارب الحرب والصدمات والتأثير النفسي، يقول الأخصائي النفسي نزار الغاوي لموقع سكاي نيوز عربية إن "الأطفال الذين يعايشون الغارات يحتاجون دعمًا نفسيًا مكثفًا، إذ يعانون من القلق المستمر، الأرق، والكوابيس، مما يضعف قدرتهم على التركيز والتعلم."
وفي هذا الصدد، عبّر العديد من الأهالي عن قلقهم من إرسال أبنائهم للمدارس في ظل القصف المستمر.
وتقول سهام، والدة أحد الطلاب: "لا أريد لابني الجامعي الذهاب إلى الجامعة في منطقة قريبة من الغارات، فالغارات لا ترحم الطرق والبلدات المجاورة لجامعته".
بينما يرى موسى فارس، أحد أولياء الأمور، أن الفشل في توفير بدائل للتعليم عن بعد أدى إلى إجبار الطلاب على التعليم الحضوري رغم المخاطر."
موسيقى للترفيه من الغارات
من جهتها، تسعى المدارس إلى تحسين الأوضاع عبر تقديم أنشطة ترفيهية وتشغيل الموسيقى أثناء الاستراحة للتخفيف من حدة التوتر لدى الطلاب. ومع ذلك، يواجه القطاع التعليمي تحديات لوجستية مثل نقص الموارد الأساسية، مما يزيد الضغط على المعلمين والإداريين.
تقول المحامية مايا جعارة، المستشارة القانونية لاتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة، في حديث لموقع سكاي نيوز عربية " إن أهمية التعليم المدمج تكمن كخيار وسط بين السلامة واستمرار التعليم".
وتؤكد "على ضرورة دعم الطلاب نفسيًا وإرشادهم للتغلب على تبعات الحرب".
وتضيف جعارة "بسبب إمكانية سماع بعض الضربات التي نفذت في بعض المناطق المحاذية لضاحية بيروت الجنوبية حصلت حالات من الرعب في بعض المدارس المعتمدة على التعليم، مما أدى إلى حالات هلع لدى بعض الطلاب خاصة وأن البكاء معدي".
وتوضح "المطلوب من المدارس التعامل مع ما يجري بالطريقة الفضلى وتأمين الحماية والمتابعة النفسية والإشراف على الطلاب وطمأنتهم والاستماع إليهم ودعمهم إذا لزم الأمر واتخاذ التدابير المناسب".
وتختم جعارة "في المدراس يمكن للأخصائيين في علم النفس الإشراف على التلاميذ بطريقة صحيحة أفضل من الأهل التي تنقصهم الخبرة والمعرفة غالباً في التعامل مع هكذا أحداث.
وأشارت إلى "نبعض المدارس عمدت على تنظيم أنشطة ممتعة لتشتيت انتباه الأطفال، كما قام المعلمون بتشغيل الموسيقى أثناء "الفرصة" - الاستراحة - وهذا ما ساعد ويساعد على التخفيف من الأضرار النفسية وتبعاتها.
رؤية اجتماعية أعمق
وتشدد الباحثة الاجتماعية وديعة الأميوني في حديثها لموقع "سكاي نيوز عربية": "على ضرورة توفير برامج دعم نفسي واجتماعي للطلاب للتخفيف من آثار الحرب.
وأوضحت أن الضغوط النفسية الناجمة عن القصف والتشريد تؤثر سلبًا على تطور الأطفال العقلي والنفسي، مما يستدعي تدخلًا عاجلًا لتعزيز استقرارهم النفسي والاجتماعي.
وتوضح "التعلم خلال الحرب يسبب تجارب مؤلمة تؤثر على تطور الطفل العقلي والنفسي والاجتماعي، مثل الضغوط النفسية والاكتئاب والقلق المزمن، بسبب الخوف المستمر من العنف، والهجمات، والتشريد. وبالتالي يصبح هؤلاء الأطفال أكثر عرضة لاضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، الذي يسبب مشاعر متكررة من الذعر، والكوابيس نتيجة إحاطتهم بالأخبار السيئة حول الحرب والهجمات واثارها المدمرة."
وتتختم "يؤثر ذلك بشكل كبير على الهوية الشخصية للأطفال. فهم قد يشعرون أنهم قد يفقدون جزءًا من أنفسهم بسبب فقدان العائلة أو البيت أو البيئة التي ترعرع فيها. ناهيك عن شعور الانعزال الاجتماعي والانسحاب لديهم بسبب الخوف من التعرض للأذى، أو حتى بسبب شعور الأطفال النازحين بفقدان القدرة على التكيف مع "العالم الجديد" من حولهم. وربما ظهور سلوكيات عدوانية وتمرد نتيجة الغضب والضغط النفسي الذي يعانون منه، وصعوبة في التكيف مع المجتمعات المضيفة.