عندما يدخل دونالد ترامب البيت الأبيض مجددا في يناير المقبل لبدء مهامه ولايته الرئاسية الثانية بشكل رسمي، فإن قضايا الصين ستكون ضمن أولوياته البارزة، التي من المتوقع أن يترك النقاش بشأنها آثارا على الساحة الدولية، بالنظر لكون بكين المنافس التجاري الأبرز لواشنطن.
ويعتقد مراقبون أن رد فعل بكين إزاء فوز ترامب بالانتخابات الأميركية لا يزال يتسم بـ"عدم اليقين" إزاء ما ستشهده السنوات المقبلة، إذ هنأه الرئيس الصيني شي جين بينغ على فوزه، لكنه أضاف تحذيرا قائلا إن "التعاون يجلب المكاسب، والمواجهة تؤدي للخسارة"، داعيا إلى إدارة الخلافات بين بكين وواشنطن بـ"الطريقة المناسبة".
في ولاية ترامب الأولى بعد فوزه في انتخابات عام 2016، بدأت العلاقة بينه وبين شي "ودية"، لكنها سرعان ما تدهورت مع تفشي وباء كورونا واندلاع حرب تجارية بين البلدين، في الوقت الذي استمر هذا الخلاف متصاعدا حتى اجتمع الرئيسان الصيني والأميركي جو بايدن في نوفمبر من العام الماضي، على هامش قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ.
حرب تجارية
من بكين، قال الباحث السياسي والاقتصادي نادر رونغ هوان لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن العلاقات الصينية الأميركية ستواجه عددا من التحديات البارزة مع قضايا رئيسية، منها الحرب التجارية ورفع الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية، إلى جانب المنافسة في التكنولوجيا، وملف تايوان والنزاع حول بحر الصين الجنوبي.
وبدا أن ترامب يعتزم المواجهة الاقتصادية المبكرة مع الصين، إذ تعهد "رجل التعريفات الجمركية" مرارا خلال حملته الانتخابية بفرض مزيد من الرسوم الجمركية تصل إلى 60 بالمئة على الواردات الصينية، بالإضافة إلى فرض تعريفة 10 بالمئة على جميع الواردات من الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.
ويمثل نهج ترامب "ضربة" لثاني أكبر اقتصاد بالعالم، إذ أشار تحليل نشرته مؤسسة "يو إس بي" إلى أن مثل هذا القرار سيؤدي إلى خفض النمو الاقتصادي الصيني بنسبة 2.5 بالمئة، مما يساهم في ارتفاع البطالة بين الشباب وتباطؤ طويل في قطاع العقارات، ويراكم الديون الحكومية.
وقال الباحث السياسي والاقتصادي إنه "رغم هذه التحديات المتزايدة فالصين لا تسعى للمواجهة، بل تأمل في تعزيز التعاون المتبادل مع الولايات المتحدة على أساس الاحترام المتبادل والتعايش السلمي، لكنها ستستمر في الدفاع عن سيادتها ووحدة أراضيها ومصالحها التنموية، رغم سعي أميركا الحثيث لاحتواء الصين باعتبارها منافسا رئيسيا واستراتيجيا".
كما أوضحت كبيرة الباحثين في معهد بنك فنلندا المختصة بالشؤون الصينية تولي ماكولي، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "العلاقات بين بكين وواشنطن الاقتصاديين متوترة في ظل الإجماع الواسع على اتخاذ مواقف صارمة تجاه الصين".
وقالت ماكولي إن "هناك خطرا كبيرا من تفاقم الوضع نظرا لتهديد ترامب بفرض مزيد من الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، لكن رغم أن بكين تمتلك خبرة أكبر في التعامل مع ترامب وقد أتيح لها الوقت للتحضير، فإن محاولة تحسين العلاقة بين البلدين ستكون تحديا كبيرا".
أزمة تايوان
بالنظر لأزمة تايوان، فهي واحدة من أبرز نقاط الخلاف بين بكين وواشنطن، وفي عام 2016 أثار ترامب غضب الصين بعد تلقيه مكالمة تهنئة من رئيسة تايوان آنذاك تساي إينغ وين، ليصبح أول رئيس أميركي يتحدث مباشرة مع رئيس تايواني منذ سبعينيات القرن الماضي.
ووفق المستشار السابق للشؤون الآسيوية بمجلس الأمن القومي الأميركي إيفان ميديروس، فإن "ترامب لا يزال متشككا في أهمية تايوان للمصالح الأميركية، فقد يعتبرها ورقة تفاوض، وربما ترى بكين في انتخاب ترامب فرصة ذهبية لحث الولايات المتحدة على التخلي عن تايوان مقابل الثمن المناسب".
لكن مع ذلك، يعتقد ميديروس، في تحليل نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أن الرئيس المنتخب يحمل آراء متعددة ومتضاربة بشأن الصين، فهناك "ترامب الذي يحب شي جين بينغ ويود عقد صفقات كبرى مع القادة الأقوياء، وهناك ترامب المنافس الاستراتيجي الذي شعر بالغش من الصين بسبب جائحة كورونا والاتفاق التجاري الثنائي".
وتساءل: "ترامب يعرف أيضا أن التعامل الصارم مع بكين دائما سياسة ناجحة، فهل سيبرز ترامب صانع الصفقات أم المنافس؟ على الأرجح كلاهما".
كيف ستتعامل بكين؟
يعقد نادر رونغ هوان أن الصين قد تنجح في توجيه العلاقات مع ترامب بعد عودته للبيت الأبيض إلى مسار مختلف عن فترة ولايته الأولى.
وقال إن "تجارب السنوات الماضية أثبتت أنه لا رابح في الحرب التجارية، وأن محاولات احتواء تطور الصين باءت بالفشل، ويمكن أن تساهم الحقائق والتجارب الماضية في إعادة العلاقات إلى مسار تطور سريع ومستقر في السنوات الأربع المقبلة، لكن بلا شك ستظل هناك تحديات".
في حين، يرى ميديروس أن "وسط هذه النتائج المتباينة هناك أمران مؤكدان، أولهما أن العلاقات ستتدهور وربما بشكل حاد، إذ ستتوسع عوامل المنافسة الأساسية، كما سيكون فريق ترامب الجديد صارما وغير متوقع، والأمر الثاني أن الصين ستستغل الفرصة لتقديم نفسها كمدافع عن العولمة والتعددية مع انشغال ترامب بسياسة الحماية والعزلة والصخب".
وشدد على أن "الصين فشلت في استغلال السخط العالمي ضد أميركا خلال الولاية الأولى لترامب، لكنها لن ترتكب نفس الخطأ هذه المرة".